مهما حاول الإنسان الهروب من قضاء الله تعالى، فإنه لا يعلم أنه أثناء هروبه يسير في قضاء الله الذي قدره له. لذلك سوف تقٌص عليكن غنوجة هذه القصة التي تحولت إلى عملٍ سينمائيٍ من تأليف المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك عام 1964 بعنوان الهروب النهائي.
القاهرة … برلنتي عبد العزيز
وتبدأ القصة بمليونير شابً أودع في سجن على جزيرة نائية استعدادًا لإعدامه، ولأنه مليونيرًا قرر رشوة حارس السجن لتهريبه من جزيرة السجن بأية وسيلة وأي ثمن ومها كانت العواقب. فأخبره الحارس بأن الحراسة مشددة جداً وأنه لا يغادر الجزيرة أحد إلا في حالة واحدة فقط، وهي الموت.
ولكن إغراء الملايين الموعودة جعل الحارس يبتدع طريقة غريبة للهرب وأخبر بها المليونير وهي أن الشيء الوحيد الذي يخرج من جزيرة السجن بلا حراسة هي توابيت الموتى. يضعونها على سفينة وتنقل مع بعض الحراس إلى اليابسة ليتم دفنها بالمقابر بسرعة مع بعض الطقوس البسيطة ثم يرجعون ثانية إلى السجن.
في حال وجود موتى، تُنقل التوابيت يومياً عند تمام العاشرة صباحاً والحل الوحيد هو أن يُلقي المليونير بنفسه في أحد التوابيت مع الميت الذي بالداخل وحين يصلون به إلى اليابسة وتتم مراسم الدفن سوف يساعده الحارس بعد نصف ساعة لإخراجه من القبر، وبعدها يتم ما اتفقا عليه…
فكّر المليونير أنها عبارة عن خطة مجنونة ولكنها تبقى أفضل من الإعدام فوافق دون تردد، كما اتفقا أيضًا على أن يتسلل لدار التوابيت ويرمي بذاته بأول تابوت من على اليسار. هذا إن كان محظوظاً وحدثت حالة وفاة.
وبعد أيام معدودات، ومع فسحة المساجين الاعتيادية تسلل المليونير لدار التوابيت فوجد تابوتين، في البداية أصابه الهلع من فكرة الرقود مع ميت في التابوت ولكن مرة أخرى تنتصر غريزة البقاء. فتح التابوت وهو مغمض عينيه حتى لا يصاب بالهلع والرعب. ورمى مباشرة بنفسه فوق الميت الذي بالداخل وانتظر حتى سمع صوت الحراس يهمون بنقل التوابيت لسطح السفينة.
بدأ يستشعر الإنتقال خطوة بخطوة، رُفع للسفينة وأحس بحركتها فوق الماء واشتم رائحة البحر، حتى وصلوا إلى اليابسة وأنزل الحراس التابوت وسمع تعليق أحدهم عن الثقل الغريب لهذا الميت فشعر بخوف وتوتر. وتلاشى هذا التوتر عندما سمع حارساً آخر يسخر من المساجين ذوي السمنة المفرطة. فاطمأن وارتاح قليلاً.
ها هو الآن يشعر بنزول التابوت إلى الحفرة وصوت الرمال تتبعثر على سطحه وثرثرة الحراس بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً. وها هو الآن مدفون على عمق ثلاثة أمتار مع جثة رجل غريب وظلام حالك والتنفس يزداد صعوبة مع كل دقيقة تنقضي.
بطبيعة الحال لا يثق المليونير بذلك الحارس وإنما يثق بحبه للملايين الموعودة التي سوف تخرجه من فقره. وهو كله ثقة واصرارًا بأنه سيأتي وبدأ التنفس يتسارع ويضيق. والحرارة خانقة.
وتمر اللحظات وكأنها شهورًا، وما كان يطمئنه أنه سيتنفس الحرية ويرى النور مجددًا. بدأ يسعل ومرت الدقائق والأكسجين يحترق وعلى وشك الانتهاء وذلك الحارس لم يصل بعد. سمع المليونير صوتًا بعيدًا جداً، فتسارع نبضه وشعر نوعًا ما بالحرية تغمره، فلابد أنه الحارس … وأخيراً سينعم بمباهج الحياة.
ولكن سرعان م تلاشى الصوت، وشعر بنوبة من الهستيريا تجتاحه خوف بنتابه، يا تُرى هل تحركت الجثة؟ صور له خياله أن الميت يبتسم بسخرية، تذكر أنه يمتلك كبريت في جيبه، أخرج الكبريت ليتأكد من ساعة يده لا بد أنه لازال هناك وقت! أشعل عود كبريت وخرج بعض النور رغم قلة الأكسجين، قرّب الشعلة من الساعة، ليتفاجأ بأن 50 دقيقة مرت به رغم الاتفاق الذي حدد بثلاثين دقيقة لا أكثر. خطر له أن يرى وجه الميت. وكانت الكارثة الحقيقية، ليرى آخر ما كان لا يتوقعه في الحياة! وجه الحارس ذاته إنه هو الميت.