“الجزء الأول”
مارسيل نينيو أسطورة الموساد والبطلةً الأوليمبيّةً المصرية التي فجرّت قاعات السينما بمصر لخلق التوتر بين عبد الناصر وواشنطن ولندن، وإخافة اليهود ليُهاجِروا إلى أرض الميعاد.
وتموت عميلة الموساد أو الاستخبارات الخارجيّة الإسرائيلية المُلقبة بالأسطورة مارسيل نينيو، عن 90 عامًا، في 23 اكتوبر بمنطقة رامات غان بضواحي تل آبيب. والمتورطة في عملية التخريب والاعمال الإرهابية التي عرفت باسم فضيحة لافون. مارسيل نينيو لم تكن يومًا جاسوسة بل كانت تعمل ضد مصر التي ولدت وعاشت هي وأهلها في خيراتها لصالح إسرائيل. كان قد حُكِم عليها بالسجن بالقاهرة عام 1956م لمدة 15 عامًا، بعدما شاركت مع إسرائيليين آخرين التابعين للوكالة اليهودية في تنفيذ عمليات تخريبيّة في جميع قاعات السينما والمؤسسات البريطانيّة والأمريكيّة في القاهرة والإسكندريّة. قصد خلق اضطرابات بين مصر وأمريكا وبريطانيا، وإثارة الفوضى في الشارع المصري، وبقاء الإنجليز في مصر وعدم تسليم قناة السويس إلى المصريين.
القاهرة … بقلم مينا ميخائيل جرجس
رفضت إسرائيل على مدار الخمسين عامًا الماضية الكشف عن تفاصيل فضيحة لافون المتمثلة في العمليات الإرهابية التي قامت بها الوكالة اليهودية في مصر بقيادة ضابط الموساد أبراهام دار سنة 1954م، والتي كانت تضم أهم الرؤوس المُدبرة والمنفذة لتلك العمليات الإرهابية، منهم: دكتور في المستشفى المصري الإسرائيلي موشيه مرزوق، مائير ميوخس، مائير زعفران، صموئيل عازر، فيكتور ليفي، روبرت داسا، ماكس بينت، ومارسيل نينيو. كما نكرت أي علاقة رسمية لها بهؤلاء اليهود الإرهابيين الذين تم إلقاء القبض عليهم في تلك الفترة في مصر.
في سنة 1954م، عندما كانت مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصِر، كان بنحاس لافون، يتولى منصب وزارة الأمن الإسرائيلية، والذي خطط لإحداث الفوضى في مصر، ونصب الخلاف بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، حيثٌ قام بتكليف أحد كبار العملاء الإسرائيليين بتنفيذ المهمة الإرهابية، وهو إبراهام دار، الذي اتخذ لنفسه اسمًا مستعارًا وهو جان دارلنيغ، الذي كان يهوديًا بريطانيًا عمل مع الموساد عقب تأسيس دولة الكيان عام 1948م.
قام ضابط المخابرات الإسرائيلي أبراهام دار المدعو جان دارلينغ بالتخطيط لتجنيد الشباب من اليهود المصريين استعدادًا للقيام بما طُلِب منهم من مهام لإحداث البلبلة بين مصر وتلك البلدان المذكورة آنفًا. وفعلًا نجح في تجنيدهم وتدريبهم مع منح فتاة يهودية تدعى مارسيل نينو مهمة الاتصال والتواصل بين الإرهابيين في كل من الإسكندرية والقاهرة، التي كان يرى فيها جان دارلينغ مستقبل خلاص إسرائيل. كانت مارسيل حينها في الرابعة والعشرين من عمرها، كما كانت بطلة أوليمبيّة مصرية مشهورة شاركت في أولمبياد عام 1948م.
وقعت مارسيل نينيو في قبضة الأمن المصري، حاولت إثرها الانتحار أكثر من مرتين في سجن النساء، بينما تمكن بالفعل ماكس بينت من الانتحار داخل زنزانته خوفًا من أن يفضح أسرار بلاده وقادته حول تفاصيل تلك العمليات الإرهابية.
تم بالفعل إنقاذ مارسيل لتقدم إلى المحاكمة مع الباقين، وحُكم على غالبيتهم بالسجن مدة 15 سنة نافذة. واختفت أخبار شبكة الجواسيس التابعة للوكالة اليهودية والموساد في مصر وإسرائيل على حدٍّ سواء، ولم يعرف أحد إطلاقًا عن مصيرها!
ولكن في العام 1975 علِم أحد الصحفيين بتل أبيب عن حضور رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير، حفل زواج امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها، وبعد التنقيب والتمحيص توصل الصحفي إلى حقيقة القصة ونشر حكاية مارسيل نينيو، بطلة المجتمع الإسرائيلي القومي.
بعد مرور أكثر من خمسين عامًا، وتحديدًا في سنة 2005، كرمت إسرائيل جواسيس لافون أو ما يُعرف بقضيحة لافون. باعتبارهم أبطالاً قوميين نجت وقامت إسرائيل بفضل تضحياتهم. وبطبيعة الحال، كانت مارسيل نينيو من بين هؤلاء الأبطال. ناهيك عن تكريم أبناء الجواسيس الستة الذين ماتوا.
إطلاق سراح هؤلاء الجواسيس لم يتّم إلا بعد سلسلة طويلة مُطولة من المباحثات والمفاوضات السرية بين القاهرة وتل أبيب. حينها، اقترح بنيامين غيبلي، أحد كبار هيئة الاستخبارات الإسرائيليّة العليا، والمسؤول عن فشل العملية وسقوط أفرادها، إرسال خطابات سريّة إلى الرئيس عبد الناصر في محاولة لإقناعه بإطلاق سراح اليهود المعتقلين في السجون المصرية. غير أن كل تلك المحاولات فشلت ولم ترى النور. كذلك، رفض عبد الناصر أخذ قرض بقيمة 30 مليون دولار أمريكي من تل أبيب للإفراج عن أبطالها الذين خربوا المنشآت المدنية والثقافية في مصر سنة 1954م.
وبعد نكسة 1967م، ولظروف تخدم البلاد والعباد، تراجع عبد الناصر عن قراره، وأفرجت مصر عن جواسيس حارة اليهود السبعة وتسليمهم إلى إسرائيل مقابل أسرى مصريين كانوا يعيشون الويلات بالسجون الإسرائيلية. رغم ذلك كله، ظلت إسرائيل تُنفذ بعض العمليات العدائية ضد يهود مصر لإجبارهم على الهجرة إلى أرض الميعاد بمساعدة بعض الفنانين المصريين ذوي أصولٍ يهودية، وهو ما حدث بالفعل حتى اضطر آلاف اليهود إلى الرضوخ وتنفيذ ما طُلِب منهم.