مواهب فنية نسائية خلدها التاريخ

هالة أنثوية ساطعة تضيء أسوار فنون عصر النهضة

باريس … رندا سالم 

 تشهد الحقبة الزمنية ما بين 1250م/1550م والتي هي أعظم مراحل الفن التشكيلي في الغرب، هيمنة أسماء رجالية في تاريخ الفن التشكيلي، وأشهرهم دافينتشي وأنجلو وجورجوني وديل سارتو وآخرون، من هنا تحديدا نستنتج أن المرأة همشت وأقصيت من اسهاماتها في التحولات النهضوية في ذلك العص، حين حددت لها بعض الحقوق في الفرص الوظيفية وأيضا المادية والعلمية. في حين ألقي بالفنانات وبشكل عام الى أسوار اللااهتمام، ما جعل حضورها خجولا نوعا ما في تاريخ الفن، الى جانب حضورها الثقافي والفكري والابداعي كذلك.

  يؤكد المعرض الفني الكبير لسيدات الفن التشكيلي الايطالي في الفترة الواقعة ما بين 1500ــ 1600 الذي لا يزال يقام إلى وقتنا الحالي وشعاره مواهب نسائية، بأن هناك دوما فنانات حقيقيات لديهن قدرات ومواهب خارقة ومتميزة تعادل بكفاءاتهن الفنية ما قدمه كثير الفنانين في عصر النهضة نفسه.    

لم تظهر المرأة كفنانة مبدعة لها حضور خاص يميزها في الفن التشكيلي الأوربي، لان هناك بعض المعارضين من يشك في قدراتها كفنانة ويبحث كذلك عن إخفاق خطواتها في الفن التشكيلي، إضافة إلى التشكيك المستمر والدائم في أسلوبها وترجمة أحاسيسها و عواطفها الوجدانية في فن الرسم، حيث لا يزال عملها الفني التشكيلي يشار اليه بأصابع الاتهام من قبل نقاد الفن ، وبانهن يرسمن بأساليب الرجل الواضحة تماما على لوحاتهن الفنية، إضافة إلى تقليدهن موضوعات الرجال، أما عملهن الإبداعي ليس أكثر من محاكاة للرسم الرجولي. تاريخ الفن في عصر النهضة يشهد وبشكل محتشم جدا ظهور أعمال فنية للمرأة، حيث كانت المرأة الفنانة في وضعية خلفية ودونية تمنعها من التفكير في مشاريعها و الالتحاق أو مواكبة تطورات الفن التشكيلي، لأن مجال الرسم والنحت والمعمار والافكار والتأليف، وحركة التنوير التي تزعمها عدد من المفكرين، ارتبطت هي الاخرى بالرجل.

تميزت اعمال الفنانات في ـ مواهب فنية ـ باستخدام الاسلوب الواقعي الذي كان طاغيا خلال القرن الخامس عشر، تلك الواقعية تتسم بمفهوم أنثوي خاص جدا، وهو البحث الدائم والمستمر عن سبل جديدة ومغايرة لإظهار العالم الخارجي وإعطاءه رداء الحب و التفاؤل رغم العواقب ، واتسمت اعمالهن الفنية أيضا بتنوع الأحجام الماورائية المختلفة، والتفنن في ابراز الخطوط الهندسية بشكل أكثر رومنسية، وتأثيرات الضوء والظل في اظهار الاشياء المحسوسة الموروثة وإمكانية الشعور بدفئها، اما الاختيارات فقد ركزت على الوسائل التصويرية، وبأسلوب شخصي، ومواكبة الأساليب المتبعة في خلط العناصر الواقعية بالعناصر الرمزية على شكل سمفونية متناغمة الألوان والأبعاد، الى جانب الميول أو الانحياز الى الفن التاريخي بشغب وشوق كبيرين للحقيقة التاريخية دون اي اعتبار للنتائج، لحد تسخير قابلياتهن الفنية لإرضاء عملائهن، لإظهار النساء كآلهات، والآلهات الاغريقية والرومانية على اللوحات الفنية بهيئة ملوك وأباطرة، الى جانب اتباع  الطريقة الدينية المألوفة في الحياة، حيث  تحمل لوحاتهن الإحساس الديني الكاثوليكي العميق، حرصا منهن على تحقيق رغباتهن واحلامهن لتعلق اعمالهن في مذابح الكنائس مع صور الملوك والاباطرة والامراء.

اتسمت معظم الاعمال هنا والتي توزعت على قاعات القصر الملكي بمدينة ميلانو بإحساس كامل ومكتمل بالأساطير والحياة الفعلية في أبعادها الثلاثة وكل شيء متعلق بهذه الاعمال يتفجر حيوية وحياة، انهن يحبّن الجسم الانساني ويحبن الرداءات التي تغطيه ويحبّن الحركة الحرة والفعل أيضا، بل يحّبن الطبيعة والحيوانات بألوانها وحيويتها الطبيعية.

اغلب اللوحات المعروضة مفعمة بالحيوية والديناميكية والدراماتيكية، تستدعي التأمل والغوص في أعماقها، يلعب الضوء والظل دورهما خلال الابعاد الثلاثية، وغالبا ما تطغى الدراماتيكية أو الدراما الفنية التشكيلية على التأمل، من خلال اظهار التعابير والتقاطيع البدنية والإماءات. أيضا هناك لوحات أكثر جمالا وتعبيرا بواقعية تعابيرها، تبين بوضوح تام صلة لطيفة ومحببة بين الموضوعات الدينية والاسطورية وبين المنظر الطبيعي الخلفي المضاء من اللوحات المعلقة، إنجازا فني رائعا لسيدات الفن التشكيلي، من الناحيتين الفنية والاخلاقية ايضا.

معرض فني حررت من خلاله الفنانات التشكيليات الرسم من قيود الاسلوب والموضوع الكلاسيكيين. كما تنتظم تصورات بعضهن ضمن ضربات ريشتهن الناعمة بمداعبتها للضوء والظل فازدادت لديهن أهمية التعبير والشغف المفرط في ترجمته فنيا. فكان الامر مع أربعة وثلاثين فنانة ايطالية مبدعة ممتلئة بحب وأحاسيس انسانية عاطفية جياشة متدفقة لا مثيل لها.