لقبته إسرائيل ببطل عملية سوزانا التخريبية في مصر والتي سميت بـ “فضيحة لافون”، من أصل تونسي ولد في مصر ومؤسس الحركة الصهيونية ليهود مصر في القاهرة. طبيب جراح بالنهار وقواد بالليل، يملك ثلاثة شقق للدعارة في القاهرة للتجسس على كبار رجال الأعمال والسياسيين والعسكريين في مصر. فمن هو موسى أو موشي مرزوق؟
القاهرة …برلنتي عبد العزيز
لقد مرت عقود طويلة على الأحداث التي شهدتها مصر خلال صيف عام 1954م، وكانت أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيليين يرفضان دائما تحمل مسؤوليتهما، وهذه الورقة هي لتحديث هذه الحقائق بهدف التحليل النقدي والموضوعي.
ولد משה מרזוק أو موشيه، ابن راحيل ني ميناشي وليتو إيلي أبراهام مرزوق، في القاهرة في 20 ديسمبر 1926م. انتقلت عائلة ليتو مرزوق من تونس إلى مصر اوائل القرن العشرين، رغم الاحتفاظ بالجنسية الفرنسية.
كان موشي يشارك كل يوم سبت في الصلاة في كنيس طائفته التوراتية القرائية، ويجلس بجوار جده الحاخام موشيه ابراهام مناشي. نشأ على حب شعبه وأرض إسرائيل وشارك في التدريب في الهاغاناه في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م.
أكمل موشيه تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس العامة. وفي الفترة من 1944م إلى 1950م درس الطب في المستشفى التعليمي التابع لكلية الطب بجامعة فؤاد الأول أي جامعة القاهرة حاليًا. تخصص في الجراحة والتخدير. عمل أولاً في المستشفى الجامعي سنة 1950م، ثم في مستشفى العيون بالجيزة سنة 1951م، وأخيراً في المستشفى اليهودي أو الإسرائيلي المصري بالقاهرة.
سرعان ما اكتسب سمعته كطبيب ممتاز وذو شخصية حساسة. في صيف عام 1954م، ومن خلال أحد معارفه في سويسرا، تقدم بطلب للحصول على منصب جراح في “كوبات حوليم كلاليت” في إسرائيل وتم قبوله.
وفي يونيو/حزيران سنة 1948م، بعد أسابيع قليلة من إعلان الدولة، أحضر الإخوان المسلمون عربتي آيس كريم مفخختين إلى حارة اليهود بالقاهرة. إحداهما في حي اليهود الحاخاميين والأخرى في حي اليهود القرائيين. وأسفرت الانفجارات عن مقتل 22 شخصا. وقام ممثل “الهاغاناه” في مصر بتعيين موشيه مرزوق مسؤولاً عن حماية الحي، حيث قام موشيه بتعيين صديقه مائير زعفران نائباً له.
وفي عام 1949م، تم التقاط معلومات تفيد بأن الإخوان المسلمين كانوا يعدون لهجوم جديد ضد حارة اليهود. وقد اتخذ موشيه ومائير الخطوات اللازمة وتمكنا من إفشال هذه الخطة، في ظل مخاطرة شخصية كبيرة.
بناءً على طلب الموساد عاليه بيت، الفرع السري للوكالة اليهودية والمسؤول عن الهجرة اليهودية غير الشرعية قبل إنشاء الدولة وكذلك بعد عام 1949م، كان موشيه مرزوق مسؤولاً عن الفحوصات الطبية للمهاجرين اليهود إلى إسرائيل في عام 1950م من مصر.
وفي عام 1951م طُلب منه مرافقة مريضة مسنة في قسم الجراحة بالمستشفى الإسرائيلي المصري بالقاهرة، والتي كان من المقرر نقلها إلى ابنتها في باريس. استغل موشيه مرزوق الفرصة لمغادرة مصر ثم الانتقال من باريس إلى إسرائيل حيث تم تجنيده في الوحدة 131 من جهاز مخابرات الجيش.
وبطلب من الموساد، فتح الدكتور الجراح موشيه ثلاثة شقق للدعارة، وهذا لاستدراج كبار المسؤولين المصريين والأجانب والتجسس عليهم واخذ المعلومات السرية والاستراتيجية لخدمة أمن وسلامة إسرائيل. وطبعًا بمساعدة ومعية بعض الفنانين اليهود في مصر وقتذاك.

في عام 1952م خضع موشي ليتو مرزوق لتدريب احترافي وحصل على رتبة ملازم ثاني وتم إرساله إلى مصر كقائد لخلية القاهرة. وبمرور الوقت، أدرك موشيه مدى عدم كفاية التدريب الذي تلقوه، وأن هنالك فجوة كبيرة بين ما هو متوقع منهم وبين قدراتهم على العمل على أرض الواقع. وحذر المقدم موتكي بن تسور، قائد الوحدة 131، موشي واتباعه من أن الموساد يُعرض شعب اليهود للخطر بشكل جنوني.
في صيف عام 1954م، صدرت أوامر لأعضاء شبكة الوحدة 131 في الإسكندرية بارتكاب أعمال تخريب في المرافق العامة في القاهرة والإسكندرية. وسرعان ما تم اكتشاف أعضاء الخليتين واعتقالهم، وتم استجوابهم بقسوة، ومحاكمتهم علنيًا، وحكم على معظمهم بالسجن لفترات طويلة. وتبين فيما بعد أن الضابط الذي أرسل من إسرائيل لتوجيه أعمالهم هناك، الضابط أفري إيلاد، قد خانهم وسلمهم إلى أجهزة الأمن المصرية.
اعتقد الموساد أن موشيه مرزوق لا يزل يقود خلية القاهرة، وأنَّه ما زال يتولى وحده مسؤولية قيادة الخليتين، وهو مدرك تمامًا للعواقب التي ستترتب على ذلك. وهكذا كان يأمل في إنقاذ أصدقائه ومرؤوسيه من عقوبة الإعدام. ونجح عملياً، باستثناء صموئيل عازر قائد خلية الإسكندرية.
حُكم على موشيه مرزوق وصموئيل عازار بالإعدام شنقاً. وفي 31 يناير 1955، تم إعدامهما شنقًا في القاهرة. وكانت كلمات موشيه الأخيرة قبل الذهاب إلى السقالة “الجميع يذهبون إلى هناك، ليس لديك مستقبل هنا”. بعد وفاتهما كرمتهما إسرائيل وحصلا كل منهما على رتبة مقدم في الجيش الإسرائيلي.
وأثار التقرير المتعلق بأعمال الخلايا ضجة كبيرة في إسرائيل. وقد عرفت باسم “القضية” أو “القضية المؤسفة” أو “فضيحة لافون” وأدت إلى سقوط حر للحكومات في إسرائيل. وبعد أكثر من خمسين عاما، لا تزل هذه القصة غامضة جزئيا. ومن المأمول أن تسمح الظروف في المستقبل القريب بكشف الحقيقة كاملة دون حجاب أو عوائق أو تزييف او تزوير.
في 19 أبريل 1977، أعيد نعشا موشيه ليتو مرزوق وصموئيل عازار إلى إسرائيل. وفي 24 أبريل، أي اليوم التالي لعيد الاستقلال، تم دفنهم في قسم الشهداء بالمقبرة العسكرية أعلى جبل “هرتزل” في القدس.
كلمة ألقيت في مؤتمر هيئة الأركان العامة لأجهزة الاستخبارات العسكرية بمناسبة الذكرى الستين لقضية لافون المعروفة بـ”القضية المؤسفة”