تسعى مصر من إجراء فحوصات الأمراض الوراثية إلى تقليل انتشار تلك الأمراض بين الأطفال وحمايتهم من التشوهات الذهنية والجسدية بغاية تخفيف العبء على الدولة وكذا الأسرة والحد من ظاهرة الطلاق التي باتت هاجسًا حقيقًا في المجتمع المصري.
القاهرة … سميرة عبد الله
تعتقد العديد من الأسر المصرية أن فحوصات الزواج هي إجراء دخيل على العادات والتقاليد في ظل اعتقاد راسخ بأن زواج الأقارب لا بديل عنه مهما كانت المخاطر، مع أن هذه الزيجات تحدث على نطاق واسع بين العائلات الريفية وفي الأوساط الشعبية والقبلية، وهناك يتم الاحتكام للعرف لا العقل والقانون.
وحسب إحصائيات رسمية، فإن زواج الأقارب في مصر من أخطر الأسباب التي تنتج عنها أمراض أنيميا البحر المتوسط، وهناك أكثر من 800 إصابة لكل ثلاثة آلاف حالة، والكثير من الأطفال يصابون بانخفاض في جهاز المناعة ويواجهون تشوهات خلقية، ما يجعلهم عرضة لمخاطر صحية قد تودي بحياتهم إلى الموت المحتوم.
لذلك، سطرت مصر برنامجًا صارمًا يهدف إلى استحداث فحوصات طبية إلزامية لم تكن مدرجة من قبل لإتمام الزواج، حيث تم تعديل إضافة أنواع من التحاليل الطبية للطرفين تهدف لاكتشاف احتمال إنجاب أطفال مشوهين صحيا أو من ذوي الإعاقات الناجمة عن الأمراض الجينية، بحيث يتم التعرف عليها مبكرا، قبل الوقوع في الكارثة.
وتعمل مصر اليوم تحديدًا على الحد من انتشار الأمراض الوراثية وحماية الأطفال من الإعاقات الذهنية والجسدية وخفض نسبة الوفيات بين الصغار بسبب هذه الأمراض وأيضًا اهمال الآباء وعجزهم المالي أمام هكذا ظاهرة. وهذا، لتخفيف الحمل على الآباء وتجنب الطلاق.
هذه الفحوصات تأخذ شكلها الصوري أكثر منه ضرورة لقوام أسري متماسك يخلو من الأمراض التي يحملها الزوجان وتنتقل بالوراثة إلى الأطفال بطريقة تجعل حياتهم لا تُطاق. غير أن الفساد والرشوة لعبا دورهما على أكمل وجه في الأزمة من خلال بيع الشهادات الصحية وتزويرها في خلق أزمة مضاعفة بسبب الجشع والطمع والتستر على أزواج المستقبل.
في هذا الصدد، يصرح الشاب عمرو لمجلة غنوجة إنه ندم على تزوير الفحوصات الطبية بعدما أصبح يعاني من إنجاب طفل معاق بسبب مرض وراثي، مؤكدا أن الأطباء أبلغوه أن أيّ طفل سوف يأتي عن طريقة هذه الزيجة مستقبلا سيكون محكومًا عليه بالفشل، من خلال إصابات بتشوهات خلقية وذهنية وعليه الاتفاق مع زوجته على عدم الإنجاب مُجددًا.
وهنالك قائمة طويلة من الفحوصات الطبية التي أقرتها حكومات سابقة، واشترطت الانتهاء منها نظير إبرام عقود الزواج، لكن الشاب والفتاة يتحصلان عليها من خلال وسطاء ومعارف ورشاوى مالية، وفي النهاية يدفع الزوجان والأبناء فاتورة باهظة نتيجة التعامل باستخفاف مع هكذا إجراءات. ناهيك عن أن مصر لم تتحرك لإنشاء مراكز متخصصة في هذا الشأن، وصار بإمكان الشاب والفتاة الحصول على وثيقة تثبت خلوهما من الأمراض من أي مستشفى في جمهورية مصر العربية.
كذلك، جل المستشفيات الحكومية في مصر لا تملك الشروط والإمكانيات الحديثة اللازمة والتي تتيح لها اكتشاف الأمراض وتشخيص المخاطر الجينية، وأصبح الأمر برمته صعبا، ما يمهد لإمكانية أن تصبح الفحوصات مجرد ورقة يتم شراؤها بطرق ملتوية وغير أخلاقية.
بالرغم من أن وزارة الصحة المصرية السابقة أعلنت عن مشروع ضخم لإنشاء مظلة رقمية تقوم بإجراء الفحوصات الخاصة بالزواج، لكن المشروع لم يكتمل، لظروف غامضة. ولا تزل الزيجات تتم بلا شروط أو معايير تخدم السلامة الصحية للشريكين وأولادهما.
والمُشكلة، أن المأذون الشرعي في مصر يكتفي بأي أوراق صادرة عن مؤسسة طبية حكومية تثبت خلو الشاب والفتاة من الأمراض الوراثية. وهنا، لا يوجد أي نص قانوني واضح يُلزمه بعدم إتمام العقد في حال إصابة أحد الطرفين بمرض وراثي أو معد.
ولحسن الحظ، يطالب أغلبية السكان اليوم بتلك الفحوصات قبل الزواج وعلى مصر أن تكون جادة في تطبيقها مع سن عقوبات صارمة على المتحايلين عليها، ووضع سياسة تتبع الإصابات الوراثية بعد إتمام الزيجات والإنجاب للوقوف على طريقة التعامل مع الوضع القانوني والاجتماعي.
إن الفحوصات الطبية للأمراض الوراثية إلزامية قبل عقد الزواج. وهي خطوة أولى لحياة أسرية مستقرة خالية من الأمراض التي تتسبب في تعكير صفو العلاقة بين الطرفين، غير أن المعضلة تكمن في عدم وجود وعي أسري بأهمية هذه الفحوصات. وأن دور المؤسسات الصحية والإعلامية والدينية يتجلى في توعية الأسر، وعدم الاكتفاء بإصدار قرارات حكومية لا يتم تفعيلها وغير مقنعة لكثير من العائلات.