ما بين الخوف والنسيان
بيروت … جورجيت أنطوان مرعب
في محطة الحافلة جلس رجل عجوز وامرأة حامل ينتظران وصول الحافلة. كان الرجل العجوز يتطلع الى بطن المرأة بنظرات فضول حتى سألها قائلا: “في أي شهر انت؟”
كانت المرأة شاردة التفكير كما أن القلق يتسرب من ملامح وجهها الحزين في بداية الأمر لم تعر سؤال العجوز أي اهتمام. لكن بعد مرور لحظات اجابت قائلة: “انا في الاسبوع الثالث والعشرين. هكذا يبدو”
رد العجوز قائلًا: “أهي أول ولادة لك؟”
أجابت المرأة: “نعم، هذه الأولى”
العجوز: “لا داعي لكل هذا الخوف والقلق، سيكون كل شيئ بخير وعلى ما يرام. أعدك بذلك”
وضعت المرأة يدها على بطنها ونظرت أمامه تكبح دموعها وقالت: “آمل ذلك حقا”
العجوز: “يحدث أن يتضخم شعور المرء بالقلق أحيانا على أشياء لا تستدعي منه كل هذا القدر من التفكير والعناء. هوني عليك يا بنيتي. واتركي كل حملك على الله. فهو كفيل بذلك”
أجابته المرأة الحامل بنبرة شجية حزينة: “يارب!”
بدأ العجوز أكثر فضولا، واستمر في سؤله، فقال: “يبدو أنك تمرين بفترة عصيبة لا يمكن تحملها. لماذا زوجك ليس بجانبك؟”
فردت عليه قائلةً: “لقد هجرني زوجي من دون سبب وجيه قبل خمسة أشهر تقريبًا”
العجوز: “ولكن لماذا؟ تبدين في منتهى التربية الحسنة والأخلاق الحميدة”
المرأة الحامل: “الامر في غاية التعقيد ولا يمنك حله أو حت تفسيره”
الرجل العجوز: “وماذا عن عائلتك؟ اصدقائك أليس لديك احد؟ تبدين وحيدة بلا أنس”
أخذت المرأة الحامل نفسًا عميقًا. ثم قالت: “أنا لست وحيدة، أنا أعيش برفقة والدي المريض فقط”
الرجل العجوز: “فهمت نعم، وهل تجدينه سندًا قويًا الآن كما كان في صغرك؟”
نزلت الدموع من عيني المرأة الحامل وقالت: “أجل، بالتأكيد، حتى وهو في حالته تلك، أشعر بالأمان والراحة بوجود معي”
الرجل العجوز: “من ماذا يشكو والدك؟”
المرأة الحامل والدموع بعينيها: “فقط هو لا يمكنه تذكر من أكون”
قالت المرأة الحامل جملتها الاخيرة بعد لحظات فقط من وصول الحافلة التي ستقلهما، ثم قامت من مكانها وقالت: “لقد وصلت حافلتنا، مشت بضع خطوات فيما بقي الرجل العجوز جالسًا على الكرسي في مكانه، التفت إلى الخلف وعادت تمسكه من يده وقالت له: “هيا بنا يا أبي، حان موعد الرحيل …”

