من الواضح أن إطفاء الأنوار وإغلاق الستائر ليس بالضبط نصيحة مفيدة وجذابة للنوم، ولكن هذه النصيحة المنطقية لا تزل تكتسب مصداقية علمية أكثر مما نتصور. ينام العديد من الأمريكيين في غرفة يتخللها شكل من أشكال الضوء الاصطناعي، سواء كان مصدره تلفزيون، أو فوضى من الأجهزة الإلكترونية، أو مصباح شارع تدخلي. يشير بحث جديد إلى أن نوم ليلة واحدة فقط مع كمية معتدلة من الضوء يمكن أن يكون له آثار سلبية على صحة القلب والأوعية الدموية والتمثيل الغذائي.
نيو يورك … جيسي عبد النور
قال الدكتور فيليس زي، المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة ومدير مركز الساعة البيولوجية وطب النوم في جامعة نورث وسترن. بأنه فوجئ عندما اكتشف أنه حتى هذه الكمية من الضوء، والتي يمكن وصفها بأنها صغيرة جدًا، والتي تمر عبر العينين لتصل إلى الدماغ، كان لها مثل هذا التأثير الملحوظ.
هذه النتائج ما هي إلا جزءً من مجموعة أكبر من الأدلة التي تشير إلى أن التعرض للضوء في الليل يمكن أن يكون ضارًا بعدة طرق ويمكن أن يعرض الأشخاص للأمراض المزمنة.
ما هي التأثيرات الفسيولوجية للضوء؟
هدفت الدراسة الصغيرة التي شملت 30 شخصًا والتي أجراها زي وفريقه في جامعة نورث وسترن إلى قياس التأثيرات الفسيولوجية لـ 100 لوكس من الضوء الاصطناعي على البالغين الأصحاء أثناء نومهم.
يوضح Zee، بأن الضوء كافٍ لنتمكن من العثور على اتجاهاتنا، ولكن ليس لنا أن نكون قادرين على القراءة بشكل مريح. لأغراض الدراسة، قضى جميع المشاركين ليلتهم الأولى في غرفة مظلمة في الغالب. في الليلة التالية، نام نصفهم في غرفة أكثر إشراقًا، إذ تم وضع الضوء فوق رؤوسهم مباشرة.
خلال هذا الوقت، أجرى الباحثون اختبارات على أولئك الذين ينامون. سجلوا موجات دماغهم، وقاسوا معدل ضربات قلبهم وأخذوا عينات من الدم كل بضع ساعات. وفي الصباح الباكر، أعطوا لكلا المجموعتين جرعة عالية من السكر ليروا كيف تتفاعل أنظمتهم مع الارتفاع المفاجئ للسكر في الدم..
تظهر النتائج، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، عدة اختلافات واضحة بين المجموعتين.
على عكس أولئك الذين أمضوا كلتا الليلتين في الظلام، كان لدى أعضاء المجموعة المعرضة للضوء معدلات ضربات قلب مرتفعة طوال الليل. لقد زادوا أيضًا من مقاومة الأنسولين في الصباح، مما يعني أنهم واجهوا صعوبة في إعادة نسبة السكر في الدم إلى معدله الطبيعي.
الضوء يعطل عملية التمثيل الغذائي
وفقًا لزي Zee، يؤدي التعرض إلي الضوء ليلاً إلى تعطيل عملية التمثيل الغذائي لدينا بطرق متعددة. بحيث أن أحد الاحتمالات، التي تدعمها الأبحاث، هو أن وجود الضوء يعطل نوعية النوم، ولكن من المدهش أن هذه الدراسة لم تحقق هذه النتيجة من خلال مراقبة الأشخاص في الغرفة المضاءة. في الواقع، قال المشاركون عمومًا إنهم يعتقدون أنهم ينامون جيدًا.
قام الباحثون أيضًا بقياس مستويات الميلاتونين، وهو هرمون يساعد على مزامنة إيقاعات الساعة البيولوجية ويعزز النوم. يتم قمع الميلاتونين بشكل عام أثناء النهار ويزيد ليلًا.
تشير الدراسات إلى أن الضوء الاصطناعي في الليل يمكن أن يثبط مستويات الميلاتونين، وقد ربط العلماء اضطراب الميلاتونين بالعديد من الأمراض، بما في ذلك السرطان والسكري. ومع ذلك، لم تجد الدراسة أي دليل على أن مستويات الميلاتونين كانت أقل لدى الأشخاص الذين ينامون مع الضوء طوال الليل.
ماذا لو لم نستطع النوم بدون ضوء؟
أغلبيتنا لا يستطيعون النوم في غرفة مظلمة، رغم أننا نريد أن ننام مع كل الأنوار المطفأة، لكننا خائفون. ما الذي يجب أن نفعله؟
الجواب بسيط جدًا، وهو أن البعض يفضلون أن يكون هنالك ضوء أثناء نومهم لأنه يريحهم أو لخوفهم من الظلام. في هكذا حالات، يجب ضبط الأضواء على أدنى مستوى لها. قد يكون من المفيد استخدام المصابيح المزودة بمؤقت بحيث تكون معظم فترات النوم في الظلام بينما تكون هناك حاجة للضوء للنوم.
هذه الكمية الصغيرة من الضوء كانت كافية لتنشيط الفرع الودي للجهاز العصبي اللاإرادي، من المفترض أن يهدأ رد الفعل هذا أثناء النوم، عندما يدخل الجسم في حالة السمبتاوي وينخفض معدل ضربات القلب والتنفس. بحيث تشير التغييرات في وظيفة القلب والأوعية الدموية إلى أن كمية الضوء الصغيرة كانت كافية لتحويل الجهاز العصبي إلى حالة أكثر نشاطًا وتنبيهًا مما كانت عيه قبل النوم. وفي هذه الحال، يعرف الدماغ والقلب أن الأضواء مضاءة، حتى لو كان الشخص نائمًا.
هذه الدراسة هي مثال مهم على كيف يمكن حتى للتعرض للضوء المنخفض نسبيًا أن يعطل دورة النوم والاستيقاظ لدينا، وهذا أمر منطقي لأن الجهاز العصبي اللاإرادي لديه إيقاع يومي ثابت.
العديد من الإجراءات المنسقة يجب أن تحدث، حتى نحصل على نوم جيد ليلاً، كما أن توازن الجهاز العصبي اللاإرادي ينظم ذلك وبشكا منظم.
هذا التأثير على الجهاز العصبي لم يكن دراماتيكيًا، فهو ليس كما لو كان الناس مستيقظين، لكن الأمر لا يزل مقلقًا. بحيث لا نريد أن يحدث هذا عندما نحاول الحصول على نوم جيد ليلاً.
هل النوم تحت الضوء يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة؟
نتائج الدراسة التي عانت منها الصحة الأيضية ليست مفاجئة تمامًا.
إذ أن هنالك بالفعل مجموعة قوية من الأبحاث، بالإضافة إلى دراسات سكانية كبيرة لا تزل تجرى في أمريكا، والتي تُظهر أن تعطيل إيقاعات الساعة البيولوجية يجعل تنظيم نسبة السكر في الدم أكثر صعوبة، بل لا يمكن التحكم فيه.
استخدمت بعض هذه الدراسات البشرية شدة إضاءة أعلى بكثير. وليس أثناء نوم الناس، وعلى الرغم من أن نتائج هذه الدراسة لا يمكنها التنبؤ بما سيحدث على المدى الطويل، غير أن هنالك شك كبير في أن الآثار الضارة ستكون تراكمية لا محالة!
توجد الساعة الرئيسية للجسم، والتي تسمى نواة suprachiasmatic، في الدماغ، لكن الأعضاء والأنسجة في جميع أنحاء الجسم لها أجهزة توقيت خلوية خاصة بها. مثال على ذلك خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين. يمكن أن يؤثر تعطيل دورة النوم والاستيقاظ على قدرتهم في إفراز مادة الأنسولين بشكل مناسب وطبيعي، مما يساعد على التحكم في نسبة السكر في الدم.
يقول الدكتور تشارلز تشيزلر، رئيس قسم اضطرابات النوم وإيقاع الساعة البيولوجية في مستشفى بريجهام والنساء في بوسطن بأمريكا، أنه سيزيد ذلك من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل مقاومة الأنسولين والسكري ومشاكل القلب والأوعية الدموية الأخرى.
على سبيل المثال ، وجدت دراسة رصدية كبيرة لأكثر من 50.000 امرأة أن النوم مع التلفاز أو المصباح كان مرتبطًا بزيادة خطر زيادة الوزن بنسبة 20 % في اكتساب 5 كلغ خلال فترة خمس سنوات.
التأثيرات الأيضية السلبية التي لوحظت في المشاركات في الدراسة على مدى ثلاثة أسابيع كانت في الأساس بسبب اضطرابات في إيقاعات الساعة البيولوجية وليس بالضرورة قلة النوم.