هل حقا الفنانة راقية إبراهيم متورطة في قتلها
القاهرة … مينا ميخائيل جرجس
في سنة 1952م وتحديدا يوم 15 أوت/آب، الالسنة نفسها التي قامت فيها ثورة يوليو المجيدة في مصر، كانت العبقرية المتميزة سميرة موسى في طريقها إلى مركز البحوث والمفاعل النووية في أعالي ضواحي كاليفورنيا، بدعوة من المدير العام لمركز المفاعل النووية، وفي طريها تصطدم سيارتها بشاحنة نقل كبيرة لتلقي سميرة موسى حتفها وينتهي مشروع انشاء مركز للأبحاث النووية في مصر.
من هي سميرة موسى؟
سميرة موسى مواطنة مصرية، ولدت في الثالث من مارس/آذار سنة 1917م، في قرية سِمبو كبرى التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، امها ماتت ب السرطان كان والدها الشيخ موسى أبو سويلم شديد الانتباه والرغبة في تعليم أولاده السبع بنات وولدين وخاصة ابنته سميرة تعليما سليما مبني على قواعد صحيحة، لِما اكتشفه من ذكاء ومثابرة اللذان تتمتع بهما نجلته سميرة، لدرجة حفظها القرآن الكريم وهي في سن مبكرة.
منذ طفولتها وهي تعشق العلوم والفنون والآداب، فضلا عن أنها نابغة، كانت تتقن العزف أيضا على بعض الآلات الموسيقية، تجيد قراءة السنفونيات، تعشق التصوير الفوتوغرافي وتتقنه، حيث خصصت ركنا صغيرا في بيت العائلة لتحميض الصور واخراجها، تصمم ملابسها بنفسها وتخيطها، كما كانت ترغب بشغف في قراءة كل ما تجده متوفرا أمامها، من جرائد وكتب بجمع أنواعها، وكذلك سماع الأخبار والأعمال الفنية كالأغاني والمسرحيات الإذاعية آنذاك. وهنا أدرك الوالد أن ابنته حالة فريدة من نوعها ملكاتها تسبق زمانها، فقرر عندئذ الترك مسقط رأسه متجها إلى القاهرة، للاعتناء أكثر وبشكل صحيح بابنته والوصول بها إلى أعلى المراكز والمستويات. وما ساعده أكثر في تحقيق ذلك هي حالته المادية الجيدة جدا ولأنه مقتدر ماديا، اشترى فندقا في منطقة الحسين، بحكم أن منطقة الحسين كانت وما زالت موقعا سياحيا بامتياز.
ودخلت الطفلة النابغة سميرة مدرسة قصر الشوق الابتدائية وطبعا كانت دوما الأولى على زميلاتها، ثم مدرسة بنات الأشراف الثانوية، حينها لم يكن هناك للمرحلة الإعدادية وجود، التي أسستها السيدة نبوية موسى، والتي كانت من أشهر رائدات التعليم، وأول صاحبة مدرسة خاصة للبنات في المحروسة، كانت تنتفض وتندد وتنادي بحرية وتعليم المرأة جنبا إلى جنب مع صفية زغلول وهدى الشعراوي خلال ثورة 1919م في مصر، كانت شطارة سميرة واجتهادها في دراستها الثانوية غير طبيعي على الإطلاق، لدرجة أنها وجدت أخطاء في كتاب الجبر الأكاديمي وألفت كتابا آخر للجبر كان مُبَسَطًا وفي متناول التلاميذ، وأعطته عنوان الجبر الحديث. شيء غير معقول، أن تقوم تلميذة في الأولى ثانوي بتأليف كتاب كامل مفصل ومبسط عن الجبر وتسميه الجبر الحديث، فرحة وسعادة والدها الحاج موسى أبو سويلم بها لا توصف، فقام بطباعة 300 نسخة من حسابه الخاص لصالح ثانوية بنات الأشراف، في حين أن معظم التلاميذ في مصر عاجزون عن فهم هذه المادة المركبة.
وكانت اللحظة التي قرر فيها والد سميرة نقلها إلى ثانوية حكومية، بطلب من نجلته النابغة سميرة، كون المدارس الحكومية هي الوحيدة التي كانت تُوفر المعامل التجريبية لتلاميذها، وأيضا بسبب افتقار ثانوية بنات الأشراف لمعمل التجارب بها، حينها ثارت السيدة نبوية موسى وقررت شراء معمل مجهز بالمعدات حديث ومعاصر خاص بثانويتها الخاصة، وهذا لتبقى سميرة تحت رعاية السيدة نبوية ولتستفيد أيضا من المنحة والمساعدات الحكومية، لأن في هذا التوقيت تحديدا، كانت الحكومة المصرية تمنح مساعدات مالية ودعم معنوي ملفت للمدارس الخاصة التي يتحصل تلاميذها على أكبر وأعلى درجات في التوجيهية آنذاك أو الثانوية العامة أو الباكالوريا. وتكمل التلميذة النابغة سنوات دراستها الخمسة في ثانوية بنات الأشراف للسيدة نبوية موسى وتتحصل على أكبر واعلى درجة في مصر كلها سنة 1935م.
بداية النهاية
المجموع الذي تحصلت عليه سميرة موسى في الباكالوريا، سمح لها بدخول كلية العلوم بجامعة القاهرة، لتكون أيضا الأولى على زملائها والأعلى درجة في مصر كلها خلال دراستها في الجامعة. سيرة سميرة في الجامعة جعلتها تتمتع بشهرة واسعة، أستاذها الدكتور العالم المعروف عالميا علي مصطفى مشرفة، الذي كان أول عميد مصري لكلية العلوم بجامعة القاهرة، والذي لا يُعرف سبب وفاته إلى اليوم، كان منبهرا جدا بسميرة وبذكائها وتفانيها في خدمة العلوم والأبحاث وتفوقها الدراسي غير العادي، وبما أنها الأولى على كل دفعتها خلال سنوات الدراسة في الجامعة التي تخرجت منها بتقدير امتياز سنة 1939م، كان لها الحق المطلق والأولوية بأن تلتحق بالجامعة كمعيدة، ولأن الجامعة المصرية في مرحلة المملكة، كان أغلب أساتذتها من الأجانب، فتم رفضها كمعيدة كونها أول مصرية تعتلي هذا المنصب، فتدخل الدكتور علي مصطفى مشرفة شخصيا لمساندة طالبته وقدم استقالته، منتفضا في ذلك ضد التفكير الرجعي للأساتذة الأجانب الذين استكثروا على سميرة أن تصبح دكتورة في الفيزياء النووية والطاقة الذرية.
رئيس الجامعة آنذاك لم يقبل استقالة الأستاذ العالم مشرفة، خوفا من الوزارة الوصية وخاصة الملك فاروق الأول، لأن الدكتور مصطفى مشرفة كان حالة فريدة من نوعها في علم الفيزياء النووية والطاقة الذرية، لدرجة أن ألبيرت أينشتاين كان يتابع أبحاثه ويستفيد منها لبناء وتطوير أبحاثه، لذلك لم يعرف لحد الآن كيف مات الأستاذ مصطفى مشرفة. أستاذ في قمة النبل والشرف والتواضع، أن يؤمن بطالبة ويساعدها لتكون يوما ما زميلته وتنافسه النجاح ويتنبأ لها مستقبلا مزدهرا يخدم العباد والبلاد.
وتم بالفعل قبول سميرة موسى كمعيدة بكلية العلوم بجامعة القاهرة، بعد رفض الجامعة البريطانية طلبها لتحضير رسالة الماجستير بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939م، بدأت سميرة تُدرس وتَدرس بتفوق حتى تحصلت على شهادة الماجيستير في الطاقة النووية والتواصل الحراري للغازات بتقدير امتياز، واستمرت في عملها وأبحاثها إلى أن تم اختيارها كأول امرأة في مصر في بعثة إلى بريطانيا من ضمن الطلبة المتفوقين مدتها ثلاث سنوات، لإكمال دراستها وللقيام بأبحاثها العلمية في مجال الاشعاع النووي، ونالت شهادة الدكتوراه في سنتين فقط عن الأشعة السينية بأعلى مرتبة في جامعات بريطانيا كلها، وقررت عدم الرجوع إلى مصر بهدف أن تقضي سنتها الثالثة بالجامعة للقيام بأبحاثها وتوثيقها.
لمع جدا اسم سميرة موسى في أوروبا وأطلق عليها لقب ماري كوري العرب، بالمقابل لمع اسم الفنانة راقية إبراهيم أو اليهودية المسانِدة لإسرائيل راشيل أبراهام ليفي، التي ولدت في حارة اليهود بمنطقة السكاكيني سنة 1919م، بدايتها كانت خياطة في بيتها، كانت رائعة الجمال، ما فتح لها أبواب الفن والشهرة والمجد وتتربع على عرش النجومية في فترة وجيزة، وبعد تأسيس دولة إسرائيل بثلاثة أشهر، استغلت راقية إبراهيم وضعها الجديد في مساعدة يهود مصر وتهجيرهم إلى إسرائيل. وعملت المستحيل لتقترب من عالمة الذرة سميرة موسى، بطلب من الوكالة اليهودية في مصر آنذاك، إلى أن تحقق لها ذلك، حينها وفي تلك الفترة تحديدا في سنة 1948م. قامت العالمة سميرة موسى بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من الإعلان عن دولة إسرائيل عام 1948م، وحرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي. كما نظمت أيضا مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.
سميرة موسى توصلت إلى حل معادلة تبين كيفية تفتيت المعادن الرخيصة وتصنيع قنبلة ذرية منها، وهنا كانت الصاعقة الكبرى التي تهدد الكيان الصهيوني وهيئة الطاقة الذرية في آن واحد، كيف لمصر أن تملك عالمة فيزيائية بهذا المستوى في الخمسينات وهي دولة فقيرة ومتخلفة وقادتها من الشباب المندفعين غير المسؤولين عن نتائج تصرفاتهم. ولهذا لا يمكن إطلاقا أن تصل نتائج هذه الأبحاث إلي السلطات المصرية وإلا سوف تكون نهاية إسرائيل وشيكة، علما في هذا التوقيت بالذات لم تكن تملك إسرائيل السلاح النووي بعد، وعليه يجب التخطيط لإبعادها وابتعادها عن مصر.
في بداية سنه 1952م فوجئت سميرة بمنحة دراسية للولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا بجامعة أوكردج بولاية تنيسي الأمريكية، كما استجابت الدكتورة سميرة كذلك إلى دعوة لإجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية. لم تنبهر إطلاقا ببريقها أو تنخدع بمغرياتها، في خطاب إلى والدها قالت: ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، يبدؤون كل شيء ارتجاليا. فالشعب الأمريكي عبارة عن خليط من مختلف الشعوب، كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئًا على الإطلاق فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب.
في أمريكا كانت في استقبالها صديقة صديقتها راقية إبراهيم، وفي أمريكا وصلت كعادتها إلى نتائج سريعة مذهلة ومهمة جدا في تغيير منحنيات الطاقة الذرية، لتكون العالمة المصرية والعربية الأولى والوحيدة التي توصلت إلى هذه النتائج الدقيقة. لتتلقى بعد فترة وجيزة دعوة رسمية لزيارة مركز المفاعل النووية الأمريكية لولاية كاليفورنيا. خلال هذه الفترة عرضت الحكومة الأمريكية على سميرة موسى إغراءات خيالية لتبقى في كاليفورنيا وتطور أبحاثها تعمل في ظروف ملائمة وبمعدات جد متطورة، كما عُرض عليها الجنسية الأمريكية وتعيش حياة الملكات. لتفاجئ سميرة موسى الحكومة الأمريكية برفضها لكل العروض ونيتها في العودة إلى وطنها مصر ، لخدمته وتطوير مجال الطاقة الذرية فيه وتصنيع القنبلة الذرية وتصبح مصر من ضمن الدول القوية عالميا، وهذا ما جاء في رسالتها لوالدها، كررت أمريكا عروضها على سميرة مرارا وتكرارا، دون أي اهتمام منها، إلى أن كان في أحد الأمسيات وهي في منزلها بكاليفورنيا، يرن هاتف بيتها لتتلقى مكالمة من مدير مركز المفاعل النووية الأمريكية، يشرفنا أن تقبلي دعوتنا لزيارة الموقع وإفادتنا بخبراتك وتجاربك في مجال التكنولوجيا النووية، فلو بالإمكان تحديد الموعد ونحن سوف نرسل لك سيارة خاصة لتسهيل لنقلك إلى مركز المعامل النووية.
فرحة سميرة لا توصف فهذا حلم وتحقق، وجهزت سميرة نفسها للذهاب وكان يوم 15 أوت/آب من سنة 1952م. لتكون نهايتها إثر اصطدام سيارتها بشاحنة نقل وهي في طريقها إلى المعامل سائق السيارة كان هندي الجنسية زميل لها كان هو أيضا يحضر لنيل شهادة الدكتوراه، والذي اختفى إلى الأبد، سلك طريقا وعرة منحنية على ارتفاع 400 قدم ليقفز من السيارة قبل وقوع الحادثة، حسب ما جاء في التحقيقات الشركة الفدرالية الأمريكية. حينها وعند اجراء التحقيقات المكثفة أنكر رئيس المعامل النووية لكاليفورنيا ارسال الدعوة إلى سميرة وقُيدت قضيتها ضد مجهول، وبدلا عن رجوع سميرة إلى بلدها مصر بالأبحاث والنتائج والدراسات، رجعت جثة هامدة في صندوق خشبي صُنع في ولاية كاليفورنيا.
بعد أكثر من 50 عاما من اغتيال عالمة الذرة سميرة موسى، تظهر حفيدة الممثلة المصرية اليهودية راقية إبراهيم أو راشيل أبراهام ليفي ريتا دايفيد توماس وتصرح فخورة بأن جدتها هي من زودت جهاز الموساد بالمعلومات عن سميرة موسى للتخلص منها. وأنها كانت صديقة مقربة لها وكاتمة أسرارها، وان راقية إبراهيم بعثت لها صديقة يهودية من طرفها تعمل لصالح الموساد لتكون قريبة منها وهي من سرقت مفتاح منزلها وسلمته للوساد ليتم سرقة كل نتائج أبحاثها في الوم نفسه الذي أُغتيلت فيه. ظهور حفيدة راقية إبراهيم بعد ترشح عمرو موسى للانتخابات الرئاسية في مصر سنة 2012م، علما أن راقية إبراهيم أو راشيل أبراهام ليفي تكون والدته، التي تمسكت بقضيتها لمساندة إسرائيل والتعاون مع الموساد في مصر وأمريكا، وهذا لكرهها الشديد لمصر والعرب عامة، حتى لما وُجهت لها دعوة رسمية لحضور مهرجان كان السينمائي سنة 1947م، والذي كان أول مهرجان يُنظم في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، واستخدمت حيلها لتكسب عطف إدارة المهرجان، وأن هي من تستحق لقب رئيسة الوفد المصري، غير أن الحكومة المصرية منعتها من ذلك بحجة أنها يهودية، حينها تعمدت إدارة المهرجان تجاهل الوفد المصري وتعاملت مع راقية إبراهيم باعتبارها رئيسة الرسمية للوفد المصري. إضافة إلى موقف آخر موقف جعل صناع السينما في مصر والعالم العربي يتجاهلون راقية إبراهيم ويحرمونها من منحها الأدوار، وهو رفضها للقيام بدور بدوية التي تخدم الجيش المصري في تحرير فلسطين، وهاجرت راشيل إلى أمريكا سنة 1954م، وأصبحت سفيرة للنوايا الحسنة لإسرائيل، وتزوجت من رجل أعمال أمريكي يهودي، وعاشت هناك حتى توفت في الثالث عشر من شهر سبتمبر/أيلول سنة 1977م.