الذكرى السنوية السابعة والثلاثين لرحيل الفنانة العالمية داليدا
القاهرة … سميرة عبد الله
ولدت يولندا كريستينا بييترو جيليوتي أو داليدا فيما بعد في 17 يناير 1933م، في حي شبرا بالقاهرة لوالدين إيطاليي الأصل مولودين بمصر. ولأن مصر كانت بلدا آمنا ومزدهرا اقتصاديا. فقد هاجر أجدادها إلى مصر باحثين عن الرزق كما كان حال الكثير من الأجانب في بداية القرن العشرين الذين هاجروا بدافع الفقر والهرب من الحروب في بلدانهم آنذاك

تعلمت يولاندا جيليوتي أو داليدا العزف وأصول الغناء، لكن حلمها الوحدي هو بأن تصبح ممثلة مشهورة، لاسيما بعد أن سمعت بأنه كانت لديها قريبة هي الممثلة الإيطالية Eleanor Duse، التي كانت توفيت في عام 1924م. ومن هنا ولد بداخلها شعور قوي وثقة كاملة بأنها تمتلك موهبة ربما تكون قد ورثتها من عمتها.
عاشت داليدا طفولة طبيعية بين أسرتها، تذهب إلى المدرسة والكنيسة، كأية طفلة مسيحية، وما إن أصبحت بالغة حتى أخذ والدها الحاد الطباع يمنعها من الخروج مع أصدقائها وصديقاتها، لاسيما بعد أن قضى عدة أشهر في السجن لأنه كان إيطاليًا ومصر كانت إبان الحرب العالمية الثانية تحت حماية الإنجليز.
وبعد مرور الوقت وجدت داليدا طريقة للهروب من مراقبة والديها، فكانت تذهب إلى الكنيسة الصغيرة وهما مطمئنان عليها، لكنها لم تكن تذهب للصلاة، بل كانت تنتظر أرماندو وهو شاب وسيم من أصل إيطالي. كانت تأتي إلى الكنيسة وتقف في مكانها المفضل البعيد عن الناس، حيث اعتادت ان تقف فيه في طفولتها لأنها كانت تشعر بالحرج من عينها المحولة التي أجرت لها ثلاث عمليات جراحية فيما بعد.
كانت يولاندا أو داليدا تسمع مع أرماندو القداس وقد تشابكت يداهما سرًا وهما يختلسان النظرات بحياء خجل. كان الفتى حب داليدا الأول، وقد اقتنعت بالحياة الاعتيادية كأية امرأة في البداية بسبب ضغط والدها في أن تصبح زوجة وأما كما هو الأمر الطبيعي. ولكن الوالد توفى إثر جلطة في الدماغ، فبدأت تتطلع لحياة أخرى بعيدة عن القناعة بالبيت البسيط وكل ما يتعلق به من تبعات كلاسيكية.
وبسبب ظروف المعيشة وضغط والدتها أخذت دروسًا في الطباعة على الآلة الكاتبة وعملت سكرتيرة في شركة أدوية، لكن حلم النجومية لم يفارقها أبدًا ولاسيما وأنها سبق وأن فازت بمسابقة ملكة جمال Miss ondina عندما كانت صبيّة صغيرة وجميلة عام 1951م، فتيقنت أن لديها الفرصة في الدخول بمسابقة ملكة جمال مصر، التي كانت تقام كل سنة في مصر.
كانت رغبة الشهرة لدى يولاندا قوية حتى لو كانت بأي ثمن، وهذه المرة فكرت بوالدتها التي ستمنعها من المشاركة في هكذا مسابقة تظهر فيها شبه عارية بملابس السباحة. فرأت أنه لابد لها من إخفاء الأمر عنها، فادعت أنها ذاهبة إلى إحدى صديقاتها، فاستقلت الحافلة واتجهت صوب حمام السباحة، حيث تجري المسابقة هناك، وفعلًا شاركت، وحصلت بعدها المفاجأة الكبرى. لقد فازت داليدا بلقب ملكة جمال مصر 1954م. فصعقت لسماع رأي اللجنة، وانفتح لها أول أبواب الشهرة.
كانت جائزة الفوز عبارة عن زوج من الأحذية الذهبية، أسرعت إلى البيت من فرحتها وأخبرت والدتها بما جرى، فغضبت الأم لرؤية صورة ابنتها بثوب السباحة على الصفحة الأولى للصحف، إذ كان الأمر فضيحة لعائلة محافظة بالعقليتين الإيطالية والمصرية على السواء، لكنها بمرور الوقت نست الأمر نهائيًا.
ورغم الفوز بالمسابقة، بقيت تعمل يولاندا/داليدا سكرتيرة في شركة الأدوية. لكنها أصبحت تدخل الاستوديوهات السينمائية بسبب اللقب الذي نالته، وقدمت بعض الأدوار لكنها لم تكن أدوارًا بارزة. ونظرا للشبه الكبير بينها وبين هيدي لامار HEIDI LAMAR بطلة الفيلم السينمائي
SAMSON AND DALILA اختارت يولندا اسم دليلة DALILA كاسم فني.
بدأت مسيرتها الفنية كممثلة في السينما المصرية، ولكن جاءت إنطلاقتها الحقيقية كمغنية في فرنسا، وغنّت بتسع لغات. وهي العربية والإيطالية والعبرية والفرنسية واليونانية واليابانية والإنجليزية والإسبانية والألمانية واليبانية.
في عام 1955 شاركت في فيلم سيجارة وكاس للمخرج نيازي مصطفى مع ساميا جمال، وبعد عام واحد وقعت عقدا مع شركة باركلي للتسجيلات وأصدرت أول أغنية لها بعنوان بامبينو والتي حققت نجاحًا كبيرًا، صعدت إلى الصدارة بسرعة عندما حققت أغانيها مبيعات قياسية في فرنسا بين عامي 1957 و1961م.
انتشرت أغانيها في عدة دول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وآسيا، كما غنت إلى جانب عدد من المطربين المشهورين آنذاك مثل خوليو إجلسياس، شارل أزنافور، جوني ماتيس، بيتولا كلارك، ميراي ماتيو، وغيرهم.
صورت داليدا بعض الأفلام السينيمائية جنبًا إلى جنب مع مسيرتها الفنية كمغنية، إلا أن فيلم اليوم السادس الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1986م كان بمثابة عودتها الحقيقية للسينما، إذ توافد ثلاثة ملايين شخص إلى حي شبرا لمشاهدة داليدا في حفل الافتتاح، وبالرغم من إشادة النقاد بالفيلم، إلا أنه فشل تجاريًا في فرنسا وأوروبا.
لدى داليدا أكثر من ألف أغنية بلغات متعددة، وقد نالت العديد من الألقاب والأوسمة، كرمها الجنرال الفرنسي ديجول بمنحها لقب فرنسا الاول
La Medaille de la Presidence de la Republique أو ميدالية رئاسة الجمهورية بسبب أدائها الرائع وصوتها المميز، وبعد وفاتها كرمتها الحكومة الفرنسية بوضع صورتها على طابع البريد، وأقيم لها تمثال بحجمها الطبيعي على قبرها في العام 2001.

ما زال الكثيرون يرددون أغانيها الجميلة بشغف، تلك الأغاني التي غنتها بتسع لغات. احتلت لوائح أفضل عشر أغنيات حول العالم من كندا إلى اليابان ومن مصر إلى الأرجنتين. وفي عام 1978م كانت داليدا من أوائل الذين صوروا أغانيهم بطريقة الفيديو كليب بفرنسا.
تأثرت داليدا بشدة لوفاة شريكها لويجي تينكو عام 1967م الذي مات منتحرًا في إيطاليا، وعلى الرغم من ذلك فقد واصلت مسيرتها المهنية في تسجيل الأغاني وأداء الحفلات الموسيقية والمسابقات، كما أسست شركة للتسجيلات الدولية مع شقيقها أورلاندو، لكنها استمرت في المعاناة من نوبات الاكتئاب إلى أن وضعت حدًا لحياتها في 3 مايو 1987م.
أشهر أغاني داليدا:
- Il venait d’avoir 18 ans
- Laissez-moi danser
- Gigi
- Bambino
- Je suis malade
Mourir sur scène
