ملاك الرحمة الجميل الذي مات في السيرك كوحش مضحك
لندن … ريبيكا مارون
ولدت ماري آن بيفان في 20 ديسمبر سنة 1874م في لندن، من إحدى أسر الطبقة الكادحة التي لم تكن بحالة مادية جيدة، لكثرة عدد أفراد أسرتها.
كبرت ماري وترعرعت في جو أسري كله فرح وبهجة، ولم تكن أيضا تشعر بالضيق المادي والاحتياج، إلى أن أصبحت شابة جميلة يافعة لتلتحق بمعهد التمريض وتعمل بعد ذلك كممرضة في بداية العام 1894م بإحدى مستشفيات لندن الحكومية. منذ صباها وهي تتمتع بقدر عالِ من الجمال والرقة والأنوثة والجاذبية، ما جعل الشباب يتسابقون ويطرقون باباها أملين بالفوز بقلبها.
شباب وجمال وحياة سعيدة لم تدم

كرست ماري ملاك الرحمة الفتاة الجميلة شبابها في العمل بالمستشفى، إلى أن دق قلبها للشاب المزارع الجميل اليافع البسيط توماس بيفان وتزوجته في عام 1903م، بعد أن عاشت معه قصة حب طويلة، وأنجبت منه أربعة أطفال، كانت تحييا ماري آن مع عائلتها حياة سعيدة، بأوضاع مادية جيدة.
بداة الحياة الصعبة
بدأت ماري رحلتها مع مرض نادر لعين في نهاية عام 1906م، فكانت تشعر بالعجز والخمول، لتظهر أعراضه على شكل تضخم أطرافها بشكل مخيف، واشتد عليها المرض أكثر عندما ساءت أحوالها وكثرت مشاكلها خاصة بعد وفاة زوجها توماس بالسكتة الدماغية عام 1914م.
تضخّم الأطراف أو متلازمة ضخامة الأطراف، هو أحد أندر أمراض الغدد النخامية، يعالج هذا المرض فقط في حال اكتُشافه مبكرا، لكن في ظلّ محدودية الطب في مطلع القرن العشرين لم يكن لدى ماري آن أية فرصة لعلاج حالتها، أو حتى الحدّ من انتشاره وتفاقمه.
ليس سهلا إطلاقا أن تنقلب حياة شخص ما رأسًا على عقب ويلعب القدر دوره في أن يصير شخصًا منبوذًا من الناس وغير مرغوب فيه، فعند بلوغ ماري الـ32 عامًا من عمرها بدأت تغيرت ملامحها تمامًا، وأصبح نموها غير طبيعي وتسبب ذلك في تشويه ملامح وجها، فقدت شعرها الطويل وعينيها الجميلتين أيضا، تغيرات كانت تُسبب لها صداع مستمر وضعف حاد في البصر وآلام في المفاصل والعضلات.
نتيجةً لمرضها، صارت يدا ماري آن وقدماها أكبر بكثير من حجم الأطراف الأخرى، كما برزت جبهتها وفكّها إلى الأمام، وكبر أنفها كثيراً. وبسبب تغيّر ملامحها صار من الصعب الاحتفاظ بعملها كممرّضة؛ لذلك ومن أجل إعالة أطفالها لجأت إلى وظائف غريبة.
مع تزايد المرض فقدت ماري آن بيفان وظيفتها، ولم تستطيع الحصول على وظيفة من أجل إطعام أطفالها الأربعة، وكانت تضطر للقيام بوظائف وأعمال متدنية من أجل الحصول على القليل من المال، ما أدى إلى تراكم الديون عليها بشكل مخيف.

أمال جديدة وحياة سعيدة
أعادت ماري تشغيل دوران عقارب ساع÷ حياتها، وأدركت تماما أن غرقها في مستنقع أزماتها على وشك ابتلاعها، فلعبت بها الأقدار، تحملت إهانة نفسها لذاتها، يوما بعد يوم لرعاية أبناءها، بحثت عن العمل وهي محبطة ويائسة وبائسة، إلى أن استقرت عيناها إعلان عن مسابقة كانت تظن أنها طوق النجاة بالنسبة لها وأن الفوز بها سيُغير مجرى حياتها وكفيلًا أن يُسدد جميع ديونها، حيث ادّعى عامل في إحدى ساحات المهرجانات والتسلية، أن مزارعاً كانت تعمل لديه ماري آن أخبرها بأنها لا تصلح إلا للمشاركة في مسابقة أبشع امرأة. تأثرت ماري بكلمات المزارع، وبعد وقت قصير دخلت بالفعل مسابقة أبشع امرأة وفازت على 250 متسابقة. هذا الفوز الساحق جلب إلها اهتمام أصحاب عروض الترفيه الجانبية، ونظراً إلى أن الأطباء أكدوا لها أن حالتها ستسوء قرّرت استغلالها من أجل إعالة عائلتها الصغيرة.
وبعد وقت قصير أصبح لديها عمل دائم مع مهرجان احتفالي متنقل، وظهرت في ساحات التسلية والترفيه في أنحاء جزر بريطانيا. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كان مجرد البداية لحياة ماري الجديدة، وبسبب اهتمام وسائل الإعلام بنشر أخبار المرأة التي فازت بلقب الأبشع، تلقت ماري دعوة للعمل في سيرك دريم لاند في عام 1920، وعاشت فترة قاسية، حيث كان عملها عبارة عن عرضها أمام الجمهور بطريقة سيئة، حتى يضحك الحضور بشدة على مظهر المرأة الأبشع، وعند دخولها غرفتها ترتسم على شفتيها ابتسامة ساخرة من لعبة القدر، كلما تذكرت حالها تنهمر شلالات الدموع من عينيها، وتلعن القدر الذي حرمها من جمالها وأناقتها، فيعتصر قلبها من الحزن والألم، ولكن لا مفر لها سوى الاستسلام للأمر الواقع.
الحب يدق قلب ماري

وفعلا نجحت ماري في جني الأموال وهاجرت وأولادها إلى نيويورك، خلال وجودها في نيويورك حظيت ماري بصداقات كثيرة هناك، كما هتف قلبها الجريح المكسور للحب أيضاً، فخلال أحد عروضها في قاعة ماديسون سكوار جاردن عام 1929، دخلت في علاقة مع حارس زرافة يُدعى آندرو، حتى إنها وافقت على دخول صالون تجميل في نيويورك، حيث اهتمّت بأظافرها وشعرها، كما وضعت الماكياج أيضا.
وداعًا ماري
قاست ماري آن بيفان كثيرا من هذا العمل في أواخر أيامها، حيث كانت تضطر للعمل رغم تطور حالة مرضها، حيث كانت ماري حريصة جدا على إسعاد جمهورها بالحركات البهلوانية مهما كلفها الأمر، واستمرت بيفان في العمل في شبه جزيرة كوني آيلاند، جنوب بروكلين في الولايات المتحدة، سنوات حياتها الباقية، في آخر لحظات حياتها، وخلال عرضها الأخير/ أخذت تسقط وتقوم مرارا وتكرارا ما تسبب في إضحاك الجمهور وهتافهم والتصفيق الحار لها، وانتظر الجمهور أن تقوم ماري ثانية لتكمل عرضها، إلا إنها لم تقم ثانية وفارقت الحياة، وأسدل الستار عن حياتها وسط دموع محبيها وبكائهم في 26 ديسمبر عام 1933م، عن عمر ناهز الـ 59 عاماً ودُفنت بعد ذلك في مقابر بروكلي وليدي ويل جنوب شرق لندن كما أوصت أولادها.