أسرار لا تعرفها عن سلطانة الطرب … منيرة المهدية
القاهرة … برلنتي عبد العزيز
هي امرأة صلبة وقاسية، خطيرة ومتسلطة، قوية وشجاعة، سيدة الغناء ورائدة المسرح، فنانة استثنائية وانسانة قيادية أثارت الجدل، شخصية مركبة بنتها من أشلاء معاناتها، وجسدتها بنفسها، خصال لا تنطبق إلا على منيرة المهدية.
من هي منيرة المهدية
ولدت الفنانة منيرة المهدية أو زكية حسن منصور في السادس عشر من شهر ماي/أيار سنة 1885م، في قرية المهدية بمحافظة الشرقية، توفي والدها وعمرها سنتين، وفي سن الثامنة توفيت والدتها، لتقوم برعايتها شقيقتها الكبرى، كانت أختها حنونة وعطوفة جدا على أختها الصغرى في المقابل كان قاسية وشديدة في تعليمها لضمان مستقبل مريح لها. ولكن منيرة ولكونها طفلة متمردة مغامرة لم تفهم حينها طبيعة تفكير شقيقتها الكبرى ومدى حرصها على تعليمها وانشغالها بمستقبلها، كانت منيرة وهي طفلة داهية في التمثيل والاختلاق الأكاذيب، لم تكن تحب منيرة التعليم وأجواء المدرسة، إذ تشعر بالملل والضجر والاختناق، ولهذا السبب كانت تغيب كثيرا دون اكتراث، ولأن شقيقتها الكبرى كانت أمية، لم تكن تستطيع متابعة أختها الصغرى ومراجعة الدروس معها، إذ كانت تكتفي فقط بسماعها لبعض النصوص البسيطة والقليلة.
لم تكن الأخت الكبرى مطمئنة لما يحصل مع منيرة، فقررت نقلها إلى مدرسة أخرى بعيدة نوعا ما، وهنا أدركت منيرة بمسؤوليتها تجاه تعليمها وبدأت بالعمل على تحسين وضعها التعليمي بثبات واجتهاد والتزام. كان كرهها للمدرسة لا يوصف، ولكنها كانت ملزمة، فكلما قررت الامتناع أو التوقف عن الذاهب إلى المدرسة، تتذكر شقيقتها الحنونة التي تحبها وتفضلها عن أولادها، فتتراجع عن قرارها. وما كان يهون عليها هو غناؤها أثناء الذهاب والإياب إلى المدرسة رغم طول وعناء الطريق. كانت منيرة سريعة الحفظ للأغاني التي تسمعها في الأعراس والمناسبات الدينية، لم تفهم بعد هذه الحالة الممتعة التي قد باتت بالنسبة إليها كالإدمان، وتمرُ الأيام والشهور ومنيرة على هكذا حال، تغني في طريقها من وإلى المدرسة، إلى أن انتشر صيتها في القرية كلها، وأصبحت مغنية الأعراس والمناسبات الدينية وأشهرها مدائح المول النبوي الشريف.
الطريق إلى المجد
في سن الخامسة عشر وصلت شهرة منيرة ‘لى المدن والقرى المجاورة لقريتها، كانت تحيي الأعراس والمناسبات للنساء، بعد أن تركت التعليم رغم نجاحها فيه واكتفت بالمستوى الذي وصلته، وهذا لأجل تغطية مصارف احتياجاتها ومساعدة شقيقتها رغم أن حالتها المادية جيدة، بداية مشوارها الفني كان وليد الصدف، حيث في سنة 1905م سمعها السيد محمد فرج الذي كان من أحد المدعوين للعرس بمدينة الزقازيق، وطلب منها ان تغني في حرم المقهى الكبيرة التي يملكها في القاهرة بأجر مغري.
توجهت منيرة إلى القاهرة لأول مرة في حياتها مع السيد محمد فرج متلهفة لرؤية المحروسة والتمتع بمناظرها ومعالمها ومبانيها، بعد أخذ الموافقة من شقيقتها الكبرى، التي تنبأت لها مستقبلا لامعا في القاهرة. كان هذا في الظاهر أما الباطن الذي
أخفته منيرة عن شقيقتها أهل القرية أنها تعرضت إلى الاغتصاب من نجل عمدة قريتها، وإذ خلى بوعده محتقرا لها رافضا الارتباط بها.
مشوار منيرة الفني في القاهرة كان قويا ولامعا، كانت تغني في مقهى السيد محمد فرج، حيث استطاعت أن تبهر وتجذب بصوتها وحضورها أشخاص مهمين وكبار في مجال الفن والسياسة والإعلام مثل الشيخ سلامة حجازي الذي كان بالنسبة لها المثل الاعلى، وسليمان قرداحي وابراهيم قباني وغيرهم من الشخصيات المشهورة والمهمة في المحروسة آنذاك.
أصبحت منيرة تتمتع بشهرة واسعة في القاهرة، بفضل جمال صوتها وقوته وكذلك شخصيتها المستقلة القوية والفريدة وحضورها المذهل، كما ذكرها الكاتب الأديب نجيب محفوظ في كتابه عن الموسيقى الذي أعيد نشره مؤخرا، ناهيك عن كونها أول امرأة مسلمة تعتلي المسارح وهي متبرجة.
منيرة غيرت مجرى الغناء العربي، الذي كان عبارة عن موشحات وأندلسيات ومواويل واستخبار، واختلق نوعا جديدا من الأغاني والمسمى بالطقطوقة، أغانٍ جديدة خفيفة رشيقة وقصيرة، منتقية كلمات جديدة خفيفة سريعة الحفظ وجريئة، حقيقة منيرة الوحيدة التي أبدعت في غناء الطقاطيق.
في سنة 1914م، استأجرت منيرة مقهى صغير بحي الأزبكية، وأطلقت عليه اسم مقهى نزهة النفوس، ولكن في حقيقة الأمر اشترته وأنكرت خوفا من الضرائب آنذاك. وفي غضون سنة واحدة، أصبح أشهر ملهى مسرحي في القاهرة بفضل الأعمال الفنية الشاملة والكاملة التي كانت تنتجها وتقدمها منيرة، تحوّل ملهى نزهة النزهة النفوس إلى ملتقى لرجال الفكر والسياسة والصحافة بفضل ما كانت تتمتع به من شخصية قوية وقيادية وكانت أول ممثلة مصرية تقدم العروض التمثيلة بالتعاون فرقة عزيز عيد.
نجاحات متوالية مذهلة حققتها منيرة خلال مسيرتها الفنية الصعبة والمثيرة، قدمت فيها أعمالا وصلت أصداؤها إلى آسيا وافريقيا، أشهرها على الإطلاق المسرحية الغنائية ـ حسن ـ التي قامت فيها بدور الرجل حسن والتي كانت من تأليف سلامة حجازي. ولأن دوام الحال محال، قررت منيرة الانفصال عن فرقة عزيز عيد، وتكوين فرقة خاصة بها، وقدّمت معها اعمالا مسرحية وغنائية خالدة، أشهرها شهداء الغرام وعايدة وصلاح الدين وصدق الاخاء، وهنا لُقبت منيرة بسلطانة الطرب. وكانت من ضمن فقراتها الغنائية تقدم فن الاسكتش برفقة الفرقة الموسيقية، ومن أشهر الاسكتشات نجد على سبيل المثال مملكة الحبّ عام 1931، والمغاربة عام 1934، والدجالين من تأليف يونس القاضي وألحان رياض السنباطي، ومحكمة الحب عام 1934 تأليف نعيم وصفي وألحان داود حسني .كما قامت منيرة أيضا بإخراج مسرحيتين وهما كارمن و تاييس .فأصبحت سلطانة على قلوب البكاوات والبشوات ورجال المال والأعمال والسياسيين، لخفة دمها وطقاطيقها الخفيفة المُفرحة. أما في مجال السينما فلها تجربة واحدة لا غير وهس قيامها بدور البطولة في فيلم الغندورة، الذي كان عبارة عن إحدى مسرحياتها وحُول إلى فيلم سينمائي الذي أخرجه الإيطالي ماريو فولبي سنة 1935م، أمام كل من أحمد علام وعباس فارس وبشارة واكيم وروحية خالد وماري منيب وغنت فيه أغانٍ من نظم بديع خيري وألحان داوود حسني صبايا بغداد مقام بياتي
مقهى نزهة النفوس صار بسرعة أشهر وأهم مقهي مسرحي في مصر، بحيث كانت منيرة تغني لمصر وحرية مصر وثوارها الأبطال، وأغانٍ مناهضة للاحتلال الانجليزي مثل أغنية كلهم يومين ويمشوا، والغريب رغم أغانيها ضد الاحتلال إلا أنه لم يتم غلق مقهى نزهة النفوس إبان ثورة 1919م، واستمرت منيرة في تقديم عروضها بشكل طبيعي ومنتظم، ليتغير اسم المقهى من نزهة النفوس إلى هواء الحرية. علما أن قيادة الاحتلال أمرت بغلق كل المقاهي والملاهي والمسارح في مصر.
دخول منير القفص الذهبي
قررت منيرة دخول القفص الذهبي، وتزوجت من محمود جبر المدير المسرحي، سنة 1918م بعد قصة حب عنيفة، والذي أصبح بعد الزواج مدرا لأعمالها. الزواج لم يدم طويلا، بسبب اللاتفاهم والخلافات الكثيرة بينهما، إلى أن تم الانفصال وتطلقا سنة 1922م أي بعد أربع سنوات كان نصفها معاناة. ثم تزوجت من حسن نديم ثم حسن كمال ثم أخيه إبراهيم كمال وأنجبت طفلة واحدة وأسمتها نعمات.
فقررت بعدها منيرة المهدية الابتعاد عن أجواء القلق والتوتر لفترة وغادرت مصر متجهة إلى شمال إفريقيا وبلاد الشام وآسيا في جولات فنية استمرت ثلاث سنوات زارت فيها كل من سوريا ولبنان وليبيا والمغرب وتونس والعراق وتركيا وإيران وفلسطين، التي كانت أول محطة في جولاتها الفنية آنذاك، تحديدا في بستان الانشراح بحيفا أين كانت لياليها من ليالي العمر، حيث لقبت بأميرة فلسطين.
من طرائف قصص منيرة المثيرة
باشرت منيرة في إكمال جولتها الفنية في الشام، متجهة إلى قلبه وتحديدا دمشق ثم حلب، أين قدمت عروضا في منتهى الروعة والجمال، تعرفت خلال إقامتها التي لم تدم طويلا، إلى رجال السياسة والمال والأعمال وساد المجتمع السوري الذين انبهروا بفنها وشخصيتها. في حلب سمعت منيرة عن طريق وعرة ومليئة بالمخاطر، طريق تؤدي إلى العراق وتحديدا إلى بغداد، يسيطر عليها عصابات منظمة مسلحة تقوم بقتل وسرقة كل العابرين عليها، فكرت منيرة في الموضوع جيدا ثم قررت الرجيل سالكة تلك الطريق المحفوفة بالمخاطر.
من الواضح آنذاك، أن كل من يسافر إلى بغداد عن طريق الجبل يعتبر مفقود ولا أمل في رجوعه نهائيا، هذا ما زاد منيرة شغفا في اكتشاف المجهول. في اليوم التالي جمعت منيرة أغراضها ورتبتها داخل صناديق خشبية، وانطلقت متجهة نحو بغداد وفرقنها، قبل طلوع الفجر، مسلحة وكأنها جندي مستعد للقتال في معركة مجهولة. وهذا ما قالته في أحد لقاءاتها الإذاعية في القاهرة:
… كان مسدّسي مليان بالرصاص الرشاش، والخنجر بتاعي جاهز، ومعايا كل مجوهراتي وصيغتي اللي ما يقلّش سعرها عن عشرة آلاف جنيه. وحنا في الطريق، ما كنتش خايفة، على العكس، حسيت وكأني في رحلة مع أصدقاء، بيسرحوا وبيمرحوا، لكن كل أعضاء الفرقة كانوا بيخافوا من كل حاجة وأي حاجة، زي مثلا صوت الحيوانات أو خيالها، المهم لما كان يخيّم الليل كانوا يناموا في الخلاء، وأنا كنت أتولّى نبطشية الحراسة بالبندقية أحيانا، عشان ينام الباقي، بس في لحظة ما، بالرغم من شغفي للمغامرة، كنت خايفة قوي قوي لدرجة أني عيطت. كان لازم نعدّي طريق كانت ضيّقة قوي، الجبل من ناحية، ومن الناحية الثانية وادي عميق. الوقوع فيه مميت وقاتل. لو مثلا هجم علينا الحراميّة ما فيش قدامنا غير حاجتين، يا إمّا نطلع الجبل وده مستحيل طبعا، يا إمّا نقلب في الوادي على طول وما يبقاش لنا وجود خالص. وقتها كانت ماشية قدامنا عربية كبيرة جارّتها الخيل، ولمّا نفرت الخيل وما عرفش إيه السبب اتقلبت العربية ووقعت وكل ركّابها راحوا قالبين في الوادي. بصّيت من فوق لقيتهم أشلاء في كل حتة. زعلت وحزنت قوي قوي قوي، وكملنا طرقنا لحد ما وصلنا لنهايتها، لقينا صخرة كبيرة كلها دم، كأنها ساحة إعدام بتوع الثورات. وفجأة وللمرة الثانية لقيت نفسي بعيّط وبقول، إزاي يحصل كل ده وليه؟؟ الناس الي ماتوا دول زّينا، اتقتلوا في الحتة دي، ولقيتني وقعت في بيئة كلها جرائم وآثام والعياذ بالله. كان من المستحيل ابدا اننا نعدّي الطريق الجبلية دي من غير مانواجه القتلة ولصوص دول. وفعل كنا ماشيين فوسط النهار، فجأة سمعنا ناس بتزعّق جزء من مجموعتي لي معايا طلبوا انّ نحنا نكمل، والباقي اقترح التراجع واقاد نفسنا من موت اكيد.
ما كانش ممكن اصلا الرجوع أو حتى التنحي على جنب، وكمّلنا الطريق لحد ما وصلنا المكان الي فيه الزعيق. وتفاجأنا بعصابات اللصوص دي هاجمت عربية تانية كانت سبقانا، ودمّهم نزل في كل حتة. ولقينا روحنا محاصرين بوشوش مغبّرة ومشحبرة ومعاهم سلاح مبيخلصش، وقتها حسّيت إن هي دي النهاية، بس وفلحظة خطر، رحت مبتسمة، شدّيت نفسي وزّعقت فيهم “السلام عليكم يا عرب”، فردوا التحية بالمثل وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!
مشينا واحنا على يقين انهم لسا هايهاجمونا.. لكن في الحقيقة محدّش قرب ولا هجم علينا ونجينا إزاي ما عرفش؟ الله اعلم! من وقتها، وأنا على قناعة تامة بإنه ربنا عز وجل بيحبني، وبيحميني ومن من يومها لحد النهاردة وأنا متوكلة عليه في كل حاجة…
منيرة في بغداد بعد مواجهة الموت
وصلت منيرة وفرقتها بغداد، وذاع صيتها كونها نجت وفريقها من طريق الموت، كما أسماها أهل بغداد، أهل العراق عظّموا شجاعتها وقيموا جهودها للوصول إلى بغداد لإسعاد جمهورها وتقديم أروع الوصلات الغنائية، حتى الحاكم شخصيا فوجئ لما عرف أن منيرة المهدية الذي يسمعها في الفونوغراف وبرنسيسة حيفا، هي نفسها التي عبر طريق الموت بشجاعة الأبطال.
أقامت منيرة وفرقتها في بغداد وبعض مدن العراق الكبرى مدة تزيد عن الشهر، أحيت فيها أجمل الحفلات والعروض الفنية. وحين قررت العودة سلكت الطريق نفسها، متجاهلة في ذلك نصائح ومعارضة الكل.
منيرة في تركيا
غنت منيرة المهدية في تركيا أمام مصطفى كمال أتاتورك، الذي كان من رواد مسرحها في القاهرة وعندما أسدل الستار اعترض وصرخ بألا تنزل منيرة من خشبة المسرح، وأمر برفع الستار ثانية، لتستمر منيرة في غنائها طوال الليل وأتاتورك في نشوة وذهول.
عودة منيرة إلى مصر
في سنة 1925م، عادت منيرة إلى مصر بعد غياب دام ثلاثة أعوام، لحطة وصولها اكتشفت إنّ طليقها ومدير أعمالها سابقا، سرق جهودها خلال فترة غيابها عن مصر، ومنحه إلى فنانة غيرها صاعدة اسمها فتحية أحمد. التي أخذت مكان منيرة وكل مشاريعها الفنية بعد مغادرتها مصر سنة 1922م. ما أثر كثيرا في نفسية منيرة وانهيارها، لتقرر اعتزال الفن وإلى الأبد.
لم يقف أحد بجانب منيرة في تلك اللحظات، رغم فضلها الكبير على عديد الفنانين الذين وقفت إلى جانبهم ومنحتهم الفرص المتوالية لإثبات موهبتهم وقدراتهم الفنية، كالموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي عُرف إعلاميا واشتهر جماهيرها بعد تقاسمت معه منيرة دور البطولة في أوبيريت أنطونيو وكليوباترا.
في تلك الفترة وتحديدا خلال عرض الأوبريت، تأزمت علاقتهما ببعضهما، نتيجة نجاح الأوبريت المذهل، ما كان على عبد الوهاب إلا اتهام منيرة وغيرتها منه وقلقها على تاريخها الفني، وكان رد منيرة مقنعا ومنطقيا، وهو أنّ عبد الوهاب كان شديد المطالبة برفع أجره وبشكل مبالغ فيه، لدرجة أنه كان من صعب استمرار العرض، ولهذا السبب غادر عبد الوهاب الأوبريت.
ظهور أم كلثوم في حياة منيرة
ليس بعيب أو عار عندما يشعر الانسان بالغيرة، لأن هذا الشعور يخلق مع كل شخص يحب عمله ويرغب في الحفاظ على تاريخه. ولكن أن تصل إلى حرب نفسية يستخدم فيها أساليب دنيئة هنا تصبح الغيرة مرضا نفسيا وهاجسا لا يطاق.
لم تشعر منيرة بالغير أو الحسد إلا في حضرة أم كلثوم، لدرجة أنها تنكرت بالملاية وغطت وجهها بالبرقع حضرت وصلة غنائية لأم كلثوم، كان صوتها قويا شجيا صافيا، وتفاعل الجمهور راقيا ينبعث منه الاحترام والاعجاب والتقدير، فتأكدت بالفعل بأنّ كل ما يقال عنها حقيقة وليس مدحا، حينها لم تتحمل ميرة هذه الأجواء وغادرت المكان وكلها غيرة وغضب.
إعلان الحرب على أم كلثوم
في محاربها لأم كلثوم لجأت إلى الصحافة الصفراء، حيث بدأت تتقرب من الصحفي محمد عبد المجيد حلمي، صاحب مجلة المسرح، إحدى أهم مجلات المسرح في القاهرة آنذاك، وبكل سهولة جنّدته وجهزته لشن حملة هجومية عبارة عن سلسلة مقالات وتقارير تقلل من كيان أم كلثوم وشأنها الفني والشخصي معًا، أهمها كان تحت عنوان مئات العشاق ولا أدري ماذا يحبون فيها؟
أما على الجانب الشخصي جاء في أحد مقالات محمد حلمي، أنّ سبب قدوم أم كلثوم السمبلاوين إلى القاهرة يتعلق بشرفها، حيث تعرضت إلى الاغتصاب في قريتها، لذلك فرت لاجئة إلى القاهرة خوفا من انتشار فضيحتها. اتهام خطير، كاد يقضي على أم كلثوم شخصيا ومسيرتها الفنية في بداياتها. ومع مرور الوقت اختفت الإشاعات وتابعت أم كلثوم مسيرتها الفنية، إذ قامت ببطولات في عدة أفلام سينمائية مثل شخصية فاطمة، كما أحيت الحفلات في أغلب بقاع العالم.
مما لا شك فيه أنّ المنافسة بين منيرة وام كلثوم كانت كبيرة، استمرت طوال سنوات الثلاثينات، حاولت فيها منيرة جاهدة وبكل الوسائل والطرق المحافظة على عرشها كسلطانة الطرب العربي، لكن انتهت بانتصار ام كلثوم الرباني.
نجاح أم كلثوم أجبر منيرة على الابتعاد عن الأضواء، ولكنها بقيت متأججة حتى عادت للغناء سنة 1948م، حينها اصرّت ام كلثوم على حضور الحفل تقديرا لسلطانة الطرب وسيدة المسرح العربي، فلم تتمالك ام كلثوم دموعها خاصة حين أسدلت ستائر المسرح على منيرة قبل انهاءها لوصلتها الاولى، لعدم قدرتها على الغناء، بسبب ضعف صوتها وكثرة شرودها على المسرح. حيث وصفها الدكتور زكي نجيب محفوظ أثناء حفلتها الأولى والأخيرة بعد عودتها، بتغريدة البجعة الأخيرة.
نهاية منيرة
أدركت أخيرا سلطانة الطرب أنّ لكل حقبة فنانيها، وأنّ التغيير هو من يفرض ذاته، مؤكدة في ذلك على قدرة وموهبة كوكب الشرق. واختفت منيرة المهدية عن الساحة الفنية بعد كل هذا التاريخ الحافل بالأعمال الفنية الخالدة، ملزمة بيتها، تجني الجوائز في مصر وخارجها، تحظى بالتكريمات من أغلب المؤسسات الفنية والخيرية والحكومية، على غرار وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1961، والجائزة الممتازة في مسابقة الغناء المسرحي التي أقامتها وزارة الأشغال العمومية عام 1926 والعديد من الأوسمة من ملك المغرب في مراكش وباي تونس والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وبلاد الحجاز، كما أدرج اسمها في الكتاب الذهبي الخاص بملك إيطاليا وتم منحها وسام بذلك .تستمع إلى أم كلثوم كل ليلة خميس من كل شهر، إلى أن وافتها المنية في الحادي عشر من مارس/أذار سنة 1965م.
من أشهر ما قالته عن حبها الشديد لأم كلثوم حد يقدر ييجي له نوم والست بتغني؟