العديد من أعمالها عبارة عن أغاني حنين إلى الحياة في القرية، والوطن، والحب. وكأنها حورية تأتي الأساطير. على الرغم من أنها أكدت دائمًا على أن أغانيها ليست سياسية، إلا أن الأوقات التي غنت فيها ربطت العديد من الألحان والقصائد بالأوضاع الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت. صوتها هو هويتها، فحين تغني للحب تؤجج فينا مشاعره الفياضة، وحين تشدو للوطن يتملكنا الحنين إليه بأحاسيس “فضفاضة”، ولما ترنم لرب الكون تقوي أماننا ونعترف بمكانة الواح الأحد وفضائله على الكون والبشرية. فهي لا تشدو ولا تغني ولا ترنم فحسب بل ترتل، ليصبح اللحن طيّعا أمام قدرات صوتها الملائكي المذهل والخارق الفريد. في هذه الورقة، سوف نستعرض أهم المحطات التي مرت بها فيروز.
بقلم الإعلامي عبد العزيز قسامة
لطالما اعتاد الناس في العالم العربي على سماع فيروز أو ما يعرف بالفيروزيات الصباحية، خاصة حين يصدح صباحهم بصوتها ويشرق مع ترانيم والتراتيل الإلهية، إنَّه صوت ملائكي تتمرجح أوتاره كعزف على قيثارة الليل والصباح، فينهل على أسماعنا بعذوبة ورقة كجدول رقراق يتوغل ويلامس القلوب النقية والأحاسيس الصادقة.
جسدت فيروز نمطا جديدا للنجومية العربية وكانت رمزا للطموح والبراءة الجدية، والأدب. كانت تهرب خجلًا عندما يرانها الناس، كان ما يهمنها هو هل سيحب ما مدى حب الناس لأعمالها، كانت تأتي مع عائلتها في المناسبات، وأول من اعترف لفيروز بموهبتها وقدرها هي شحرورة الوادي الفنانة صباح.
غنت فيروز الكثير من الأغاني الوطنية للعديد من المدن العربية وتعد جميع أغاني فيروز الوطنية خاصة بشعوب دون ذكر الزعماء والقادة ولذلك أغاني فيروز الوطنية هي أكثر الأغاني الوطنية عمرا، وتكاد تكون فيروز هي الوحيدة من المغنين العرب الكبار التي لم تذكر الرؤساء والملوك في أغانيها الوطنية. وقد تم منع أغانيها من البث لمدة سبعة أشهر في لبنان وذلك لرفضها الغناء للرئيس الجزائري هواري بو مدين. كما ضمن لأغانيها الوطنية عمراً أطول من الأغاني الوطنية لكثير من المغنين الآخرين. غنّت فيروز للمدن العربيّة ولم تُغن لأشخاص. فكانت أغنية “عمان في القلب” و”القدس” و”زهرة المدائن” و”شآم أهلك أحبابي” و”بغداد” و”مكة” و”مصر” … إلخ.
حفلات مهرجان بعلبك

كان مهرجان بعلبك محطة الأساس وانطلاقة فعلية ونوعية في مسيرة فيروز الفنية، وكان كثير من معجبيها ومحبيها يأتون للمهرجان لمشاهدتها ولسماع صوتها الدافئ الشجي. عاشت فيروز نوات عدة من الازدهار في بعلبك، حيث كان لبنان في أهم مرحلة جمالية وحياتية، وبعلبك مكان تاريخي مهم، وقبلة لكل فنون العالم الموسيقية والمسرحية وحتى الاستعراضية، والأغنية إحساسها يتغير ببعلبك وجمهور بعلبك أيضا مهم يضيف للفنان الكثير بما في ذلك ثقته بنفسه كما يلهمه أيضًا، بعلبك مكان فيه جمال وثراء للوجود والفن والإنسان.
اشتركت فيروز في أكثر من عشرين عملاً مسرحياً غنائياً عرضت ما بين 1957م و1977م في اطار مهرجانات بعلبك الدولية ونشاطات مسرح البيكاديلي في بيروت. ومن مسرحياتها: البعلبكية، وجسر القمر، والليل والقنديل، وهالة والملك، والشخص، ويعيش يعيش، وأيام فخر الدين، وعودة العسكر، ورحيل الآلهة، وجسر العودة، وحكاية الاسوارة، وجبال الصوان، وناس من ورق، وناطورة المفاتيح، وصح النوم، والمحطة، وقصيدة حب، ولولو.
وصيف العام 1998 أحيت فيروز “الليالي اللبنانية” في مهرجانات بعلبك الدولية التي كانت قد استأنفت على نحو خجول نشاطها الموسمي الصيفي في العام 1997م. وفي “لياليها اللبنانية” استعادت فيروز ومنصور الرحباني مشاهد من مسرحيات قديمة بقيتدة إلياس الرحباني. ورغم نجاح هذه الليالي، فقد شابها “حنين جنائزي” الى “ليالي الأمس البعلبكية”، بعد أكثر من 20 عاماً انقضت على صمت المؤسسة الرحبانية الفيروزية.
أيام الحرب الأهلية … أوركسترا سلام
على مدى عقود، شكّلت أغاني فيروز حلقة وصل بين اللبنانيين خلال الحرب الأهلية الذين اختلفوا على كل شيء ولم يتفقوا الا على فيروز. أثناء الحرب الأهلية اللبنانية رفضت فيروز الغناء في لبنان لتجنّب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، فيما بلدها ساحة صراع بين قوى طائفية، فرفضت أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية.
غنت فيروز “بحبك يا لبنان يا وطني بحبك” وهي الأغنية التي أبكت اللبنانيين في المهجر خلال الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عامًا علنًا ولا تزل مستمرة سرًا.
ولم تترك فيروز لبنان في الحرب اللبنانية، بل ظلت فيه رافضة النزوح منه، وحتى حين فقدت ابنتها ليال بعد أن تعرض منزلها لقصف صاروخي ظلت على موقفها. وبقيت فيروز طيلة فترة الحرب منقطعة عن الغناء في لبنان.
ولم تُغن فيروز مدة أربع سنوات دخلت فيها دهاليز الحداد والحزن بسبب الحرب الأهلية، كما وقد رفضت أن تنحاز لأي من الفرقاء. كذلك، لم ترحل او تهجر الوطن، وكان حفلها الغنائي الذي أقامته في لبنان بعد ذلك وقاد فيه عاصي الأوركسترا بمثابة رسالة سلام. وعلى ما يبدو فإنَّ السلام في لبنان بات حلمًا لا يتحقق. صحيح أنَّ الحرب انتهت وانقضت، إلا أنَّ نار الفرقة والطائفية شبّت واشتعلت أكثر ورسخت منظومة سياسية واجتماعية جديدة غيرت وجه لبنان بكامله، حيث لا يمكن الهروب من حقيقة الماضي، وسيبقى المواطن اللبناني يتذكره طوال السنين المقبلة.
فيروز في ساحة الشهداء ببيروت 1994م
مات عاصي وبقي صوت فيروز يصدح وبقوة وحب وإيمان ساطع، أتعبها موت زوجها وأشعرها كم كان يحمل عنها من أعباء الحياة، عندما تغني يكون موجودا ليس فقط بالأغنية لكن بشخصه ودعمه ومساندته، فهي تعتقد أنها كانت تعمل الأشياء كما يحبها ه وليس كما كنت تحبها هي!
وخرجت فيروز من عزلتها عام 1994م لتغني في ساحة الشهداء بيروت، تحت رعاية رئيس الحكومة رفيق الحريري وشركة كوسيدار. لاطلاق مشروعه الإعماري الضخم في قلب العاصمة. وكان اللبنانيون يشقون طريقهم بين الدمار الذي خلفته الحرب كي تخفف وتقلل من معاناتهم.
فيروز وفلسطين
زارت فيروز مدينة القدس للمرّة الأولى في عام 1964م، والتي كانت آنذاك تحت إدارة السلطات الأردنية. سارت في شوارع المدينة، وتروي فيروز أن امرأةً مقدسية اقتربت منها في أحد الأحياء وحكت لها عن المعاناة من اللجوء والاحتلال، وعن أوضاع القدس والناس، فكان لذلك أثرٌ بالغ في نفسها ولم تتمالك نفسها من البكاء. أمّا المرأة المقدسيّة، فقد هالها أن تُحزن فيروز بكلامها، فسارعت إلى إهدائها إناءً للأزهار تخفيفاً عنها، وذكرى من مدينة القدس التي تحبّها. فأخبرت فيروز زوجها عاصي الرحباني بما حدث معها، فكان أن كتب الأخوان الرحباني ولحّنا من وحي تلك الحادثة أغنية “شوارع القدس العتيقة”، والتي صوّرتها لتلفزيون لبنان عام 1966م، لابسةً الزيّ الفلسطيني والمنديل الأبيض تحية لشعب فلسطين.
غنت فيروز العديد من الأغاني لفلسطين والقدس. نخض بالذكر:
ــ راجعون.
ــ القدس العتيقة
ــ أجراس العودة.
ــ بيسان.
ــ جسر العودة.
ــ يا ربوع بلادي.
ــ سنرجع يومًا.
وبعد هزيمة 1967 واحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة غنّت فيروز أغنية “زهرة المدائن” التي لا زالت الأغنية الأكثر شهرة. كذلك، طرحت فيروز عبر قناتها الرسمية على يوتيوب عام 2018 أغنية “إلى متى يارب”، وتحمل والأغنية تحمل طابع الترانيم الدينية، تغني فيها للقدس، بعد أحداث نقل السفارة الأمريكية للقدس وهي من إنتاج وإخراج ابنتها ريما، وظهرت فيروز في مقطع الفيديو وهي تغني الأغنية مرتدية ثوبا أسودًا، بينما ظهرت في الخلفية صور للمسيح، وصور أخرى من المواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في فلسطين.
فيروز والأردن
فيروز بالنسبة للجمهور الأردني هي ذاكرة ووطن ولم تغب عن الأردن. قدمت فيروز أول أغانيها عن الأردن في حفل افتتاح الإذاعة الأردنية في عمان 1959م وكانت بعنوان “أنا والمساء” وقدمها للمستمعين مدير الإذاعة حينها والوزير لاحقا صلاح أبو زيد.

وفي العام 1963م حضرت فيروز إلى الأردن وغنت في عمان والقدس أوبيريت بعنوان “حكاية الأردن … حصاد ورماح” من كلمات وألحان الأخوين رحباني، غنت فيروز أيضا أغنية “أردن أرض العزم” من ألحان محمد عبد الوهاب والتي صارت على لسان وفي قلب وضمير كل أردني يعشق وطنه وجمال وطنه مهما كان نوع أو تأثير أو قوة المغرضين.
وقدمت فيروز بعد نصر معركة الكرامة أغنية “القصة الأخيرة”، وعندما توفي وصفي التل لم يجد مذيع الأخبار في الإذاعة الأردنية سوى أغنية فيروز أن يذيعها وهي “موطن المجد” والتي كانت من الأغاني المفضلة لوصفي. كما غنت سفيرة القلوب المفعمة بالحب والشوق أيضًا للأردن أغنية “عمان في القلب” وأغنية “عمان أو هذا الضحى”.
حفل دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008
بعد غياب دام أكثر من عشرين عاما أحيت فيروز في عام 2008 حفلًا في دار الاوبرا السورية في دمشق، ولعبت دور البطولة في مسرحية “صح النوم” التي تدور حول حاكم مستهتر تتحداه امرأة فقيرة. لقيت المسرحية وهي من تأليف الموسيقار اللبناني الراحل عاصي الرحباني احتفاء كبيرا من الجمهور، ويأتي عرضها ضمن فعاليات الاحتفال باختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية لسنة 2008.
أغضب هذا الحفل بعض معجبي فيروز والعديد من السياسيين اللبنانيين كونها قبلت دعوة من حكومة البعث في دمشق لإحياء الحفل في وقت كانت فيه التوترات تتزايد بين سوريا ولبنان، واتهم وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي فيروز بانها تخدم مصالح الاستخبارات السورية، فيما قال عضو الحزب أكرم شهيب إن من يحب لبنان لا يغني لسجانيه، في إشارة إلى السيطرة والوجود العسكري السوري في لبنان منذ عام 1976م حتى انسحاب القوات السورية عام 2005.

بعض نشطاء المعارضة السورية طالبوا فيروز بمقاطعة الحدث لأن سوريا كانت قد اتُهمت قبل ثلاث سنوات فقط من الحفل بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد اللبنانيين. جاء ذلك وسط أزمة سياسية في لبنان بين الفصائل الموالية والمناهضة لسوريا، وقيام الحكومة السورية بحملة قمع لأفراد المعارضة، وقبل ساعة فقط من بدء عرض المسرحية أُلقي القبض على المعارض البارز رياض سيف واثني عشر ناشطاً آخرين من إعلان دمشق المناهض للحكومة.
أظهر استطلاع أجري قبل أسبوع من الحفل من قبل البوابة إلكترونية اللبنانية متعاطفة مع تحالف 14 آذار المناهض لسوريا “لبنان الآن” أنَّ 70 % من المستطلعين عارضوا ظهور فيروز في دمشق، لكن أنصار فيروز دافعوا عنها وقالوا أنَّها كانت دائمًا فوق وطأة السياسة ومشاكلها.
فيروز امتنعت عن التعليق لكنها قالت في خطاب لمنظمي الحدث إن الحفل يجب أن يُنظر إليه من منظور ثقافي، أن دمشق ليست عاصمة ثقافية لهذا العام فقط، لكنها ستبقى نموذجًا يحتذى به في الفن والثقافة والأصالة للأجيال القادمة. كما أخبرت لجنة المنظمين أنَّها شعرت وكأنَّها عادت إلى منزلها الثاني.
قال المعلق السوري أيمن عبد النور بأنَّ فيروز كانت تغني للشعب السوري وليس لحكامه، السوريون يعتبرون فيروز ليست ملكًّا للبنان فقط وإنما لكل دنيا. كما دافع عنها شريكها السابق منصور الرحباني عن قرارها بالغناء هناك واصفا الحفل بأنه رسالة حب وسلام من لبنان الأبي إلى سوريا الحبيبة
الولايات المتحدة … مفتاح العالمية
سافرت فيروز والأخوان رحباني إلى الولايات المتحدة عام 1971م فبدأوا بالمدن الصغيرة ثم انتقلوا إلى نيويورك، وكانت فيروز قلقة بسبب البدايات السيئة كطريقة تعاطي مدير المسرح معهم ومتعهد الحفلات المفقود وغرف الملابس السيئة والقاعات المعتمة، لكن عاصي تصرف بطريقة إيجابية مع هذه التجربة.

كانت فيروز محبطة، ولرفع معنوياتها قال لها عاصي، حتى لو لم يأت أحد يجب أن غنّي. وأخذ عاصي يسرد لها القصص والحكايات حتى لا تُفكر بالموضوع، وبكت فيروز طويلًا، وعندما حل الليل دخلت المسرح فكانت القاعة مليئة بالناس، وغنت، ونجحت الحفلة وصارت الرحلة جميلة بعد هذه الليلة، وانتهت بنهاية سعيد ومجد أسعد.
فتحت تلك الرحلة الغنائية الناجحة لفيروز الباب نحو العالمية على مصراعيه، كان الجمهور متشوقا لسماع صوتها في مدن عدة كلندن وباريس ومونتريال، الأرجنتين والتيلي وفنزويلا وكانت تلاقي تجاوبا كبيرا وحققت نجاحات متتالية، وعندما غنت على مسرح الأولمبيا للمرة الأولى في باريس عام 1979م، باعت أكثر عشرة ملايين إسطوانة والمقسمة إلى ثلاثة أجزاء.
حفل لاس فيغاس عام 1999م
جميع أنحاء الكرة الأرضية للاستماع إلى فيروز على مسرح MGM Grand Arena في لاس فيغاس.
والتي استثمرت خلال سنة 1999م حوالي 2 مليون دولار لإحضار المطربة فيروز وفرقتها الموسيقية المكونة من 50 عضوًا إلى لاس فيغاس، وقامت بدفع تكاليف السفر وتغطية تكاليف الإعلان والدعاية وكل ما يلحق بحفل فيروز.
استمر الإعلان عن العرض الأول لفيروز في لاس فيغاس لعدة أسابيع وبتكلفة بسيطة من خلال إعلانات بصفحة كاملة في الصحف اليومية الأمريكية الكبرى، وتراوحت اسعار التذاكر من 50 دولارًا إلى 350 دولارًا أمريكيًا.
كان المصور روجر مكرزل هو الوحيد المخول له بالتقاط صور لفيروز في حفلها لاس فيغاس الذي طال انتظاره، وقد كان هذا الأمر بالغ الأهمية لفيروز لدرجة أن النساء اللواتي انتظرن في الطابور لمدة تصل إلى ساعة تم توقيفهن من قبل حراس الأمن الذين فتشوا حقائبهم اليدوية بحثا عن كاميرات صغيرة، وكل ما تم العثور عليه تمت مصادرته إلى ما بعد الحفل.
معجبو فيروز سافروا من تشيلي وفنزويلا وهاواي ونيويورك وبوسطن وميشيغان وأروبا وكندا والخلج العربي لحضور العرض. كان السفير اللبناني لدى الولايات المتحدة فريد عبود وزوجته قد سافرا من واشنطن لحضور الحفل وشوهدا جالسين في الصف الأول.

بدأ الحضور بجولات طويلة من التصفيق للإشارة إلى مديري الحفل بأنهم بدأوا يفقدون صبرهم مع انتظار دام أكثر من ساعة ونصف لبدأ الحفل، ثم ما لبث أن ظهر قائد الأوركسترا ميشال هيرو على خشبة المسرح.
وما إن بدأت الأوكسترا بالعزف، حتى هدأت أصوات الجمهور وبدأوا بالهتافات والزغاريد والتصفيق، افتتحت الأوكسترا الحفل بمقطوعة موسيقية من مسرحية ميس الريم الشهيرة، ثم ظهرت فيروز على المسرح مرتدية ثوب أزرق سماوي وسط تصفيق طويل وحار من الجمهور، بدأت فيروز الحفل بغناء أغنيتها الشهيرة “ضوي يا هالقنديل” من تأليف نجلها زياد ثم أغنية “طريق النحل” و”نسم علينا الهوى” التي صفق لها الجمهور تصفيقا طويلًا حارًا ومتواصلًا، ثم ظهرت فيروز بثوب أصفر وغنت أغنية “أنا وأنت” ثم أغنية “حبيتك تانسيت النوم”.
كانت أعداد الحضور هائلة لدرجة أن الذين لم يتمكنوا من دخول المسرح قد رقصوا في الممرات المؤدية اليه على إيقاع الأغاني، وكان هنالك تخوف من إنهيار المدرجات بسبب الإزدحام الشديد. وصف هذا الحفل بأنه أسطوري خالد.
فيروز وفرنسا
تربط فيروز بالدولة الفرنسية علاقات صداقة متينة بدأت في عام 1975م عندما ظهرت للمرة الأولى على شاشة التلفزيون الفرنسي ضمن برنامج “سبيسيال ماتيو” الذي كانت تقدمه صديقتها الفنانة الفرنسية ميراي ماتيو، وقدمت فيه فيروز أغنية “حبيتك بالصيف”. وطُرحت هذه الأغنية قبل الحرب الأهلية اللبنانية عندما كان لبنان لا يزل يُعرف بجنة الشرق.
توطدت العلاقة بين فرنسا وفيروز بشكل أعمق خلال الحرب اللبنانية، عندما أقامت فيروز حفلاً ضخماً على مسرح الأولمبيا بباريس عام 1979م وغنت أغنيتها الشهيرة “باريس يا زهرة الحرية” والتي لحنها عاصي وهو في الطائرة من بيروت إلى باريس.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار فيروز في منزلها ومنحها وسام جوقة الشرف الفرنسي وهو أرفع تكريم رسمي في فرنسا الذي يحمل شعار “الشرف والوطن”، وبالمقابل أهدت فيروز لوحة فنية إلى الرئيس ماكرون الذي وصفها بأيقونة لبنانية. واختار ماكرون أن يكون بيت فيروز المحطة الأولى من زيارته الثانية للبنان خلال أقل من شهر.
وسهر صحافيون أمام منزل فيروز في محاولة لاختراق شرفات وجدران منزلها أملاً بالتقاط مشهد يجمعها بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولكن دون جدوى، ومضى اللقاء بشكل سري إلى أن نشرت نجلتها ريما الرحباني عبر الصفحة الرسمية الخاصة بفيروز على الفيسبوك والتويتر صوراً عن اللقاء الذي استمر لأكثر من ساعة.
ارتدت فيروز عباءة سوداء مطرزة وغطت مقدمة رأسها بمنديل أسود تراثي، وبدت سعيدة بعد أن قلدها ماكرون وسام جوقة الشرف، وأظهرت ثلاث صور فوتوغرافية منزل فيروز الذي يزدان بصور عائلتها وزوجها الراحل عاصي الرحباني وأيقونات أثرية ودينية على الجدران ولوحات إحداها يصور وجوهاً متعددة لفيروز بريشة الفنانة الكرواتية جوستينا سيسي تعود لعام 1980م.
واكتفى ماكرون لدى انتهاء اللقاء بالحديث عن مشاعره تجاه الفنانة اللبنانية قائلا بأنَّ فيروز إنسانة جميلة وقوية للغاية. وتحدث معها عن كل ما تمثله بالنسبة له، عن لبنان، عن الحنين، وعن أغاني فيروز المفضلة، خاصة أغنية “لبيروت” وهي الأغنية التي كانت تبثها أغلب القنوات اللبنانية المحلية أثناء عرض صور انفجار مرفأ بيروت.
كذاك، نالت فيروز إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين، فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988م، ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف في عام 1998م.