بديعة مصابني صانعة النجوم ومدرسة الفن الأولى في العالم العربي
من طفولة مأساوية إلى نجومية ساطعة ووفاة خافتة
القاهرة … برلنتي عبد العزيز
بديعة مصابني عروس المسارح السورية
اشتهرت بديعة مصابني في تاريخ الفن في الوطن العربي، بأنها صاحبة أول أكاديمية لتعليم التمثيل والغناء والرقص الشرقي المتجدد بكل أنواعه وثقافاته، فقد تعلم فيها معظم النجوم أصول الغناء والمونولوج والتمثيل والرقص الشرقي، أمثال تحية كاريوكا وسامية جمال وفريد الأطرش ومحمد فوزي وبيبا وإسماعيل ياسين وغيرهم.
ولدت بديعة في دمشق سنة 1892م وبرجها الدلو، من أب سوري الأصل وهو جورج مصابني ولقب مصابني ليس لقبها، وإنما نسبة لوالدها الذي كان يمتلك مصنعا لإنتاج الصابون ، الذي كان يعمل فيه كخبير مواد التجميل التقليدية، كما خصصه فيما بعد، إنتاج مجموعات متنوعة من الصابون التجميلي التقليدي، ومن أم لبنانية الأصل اسمها جميلة من بيت الشاغوري، وكانت بديعة أصغر اخواتها ، أربعة صبيان وثلاث بنات، فمنذ نعومة أظفارها تمتعت وديعة، وهذا اسمها الحقيقي بجمال فتان ووجه جميل مشرق لدرجة جعلت الجميع يطلق عليها اسم بديعة بدلا من وديعة.
طفولة مأساوية
عانت بديعة حياة قاسية منذ طفولتها، مات والدها متأثرا بأزمة نفسية حادة، جراء احتراق مصنعه والذي كانوا يعيشون من أرباحه، وما زاد الأمر تعقيدا، هو أن أثناء العزاء سرقت كل مجوهرات والدتها لتجد العائلة نفسها بعد ذلك بلا سند مادي ولا حتى معنوي.
تعرضت بديعة الطفلة البريئة وكانت حينها في سن السابعة ربيعا، لمأساة غيرت حياتها وحياة العائلة رأسا على عقب، حيث كانت ضحية جريمة اغتصاب من أحد الأقارب، إذ كانت أنداك ذاهبة إلى الخمارة التي شاءت الظروف أن يعمل فيها أخوها توفيق، وإذا بصاحب الخمارة الذي كان من المقربين جدا لعائلتها، يهجم عليها بلا رحمة ودون اعتبار لأحد، بمجرد أن رآها فاغتصبها.
واقعة الاغتصاب حولت حياة الأسرة وخاصة بديعة إلى جحيم، خاصة حين أصرت والدتها على مقاضاة الجاني، فشاعت فضيحتها وانتشرت في كل أرجاء الوطن، ولم تنصفها العدالة التي حكمت على صاحب الخمارة بالسجن مدة سنة وتغريمه مائتي ليرة ذهبية، وما زاد العائلة قهرا، هو أنه صار قبل سنة حرا طليقا بعد ما ارتكب فعلته البشعة.
الهروب إلى أمريكا الجنوبية
وبعد مرور السنة قررت الوالدة جميلة الهجرة إلى أمريكا الجنوبية، للهروب من الناس وكلامهم، وتحديداً إلى الأرجنتين التي كانت آنذاك وجهة الراغبين في التغيير والثراء من أبناء الشام. فاضطرت الأم إلى رهن منزل العائلة للحصول على نفقات السفر والباخرة، وفي أمريكا الجنوبية تزوجت شقيقتها نظلة من رجل يدعي ميخائيل جرجس يكبرها بـ 38 عاما، وتعلمت بديعة خلال دراستها بمدرسة داخلية عديد اللغات كالإسبانية والفرنسية والانجليزية، كما اكتشف الراهبات موهبتها في الغناء والرقص والقدرة على تقمص الأدوار التمثيلية بسلاسة، ولكن سرعان ما قررت والدتها إخراجها من المدرسة لتساعدها في الخياطة التي كانت تدر عليهم ربحا ميسورا، في الأرجنتين الحياة كانت غير الحياة المعتادة التي عاشتها آل مصابني في الشام، ورغم سهولتها ووفرة كل متطلباتهم، إلا أن الأم فشلت في التعايش مع الحياة الجديدة والمريحة هناك، الأمر الذي دعاها للسفر مع أسرتها إلى لبنان من جديد، وهذا يدل على عدم قدرة العائلة على الاستقرار كبقية الناس.
بديعة في القاهرة
وعند عودتهم إلى لبنان، استقرت أوضاعهم نوعا ما وبشكل نسبي، فكرت بديعة كثيرا في التخلص من الفقر وبأية طريقة، فبدأت تزن وتقنع والدتها بترك لبنان والاتجاه إلى القاهرة، التي كانت آنذاك قبلة للمال والأعمال والاستثمارات الخارجية، والأهم كانت ولا تزل القاهرة عاصمة للفن والثقافة والأدب، بسبب الحياة الصعبة التي عاشتها الفنانة بديعة مصابني، فعلا وفي عمر الـ 19 سنة قررت كسر القيود وأسوار الأعراف والتقاليد والتخلص من حياة الفقر نهائيا وبكل الوسائل والطرق، وكان ذلك سنة 1910م، ودون تردد رأت الأم ان فكرة ابنتها صائبة، والمجيء إلى القاهرة عاصمة الثقافة والفن والأدب والازدهار الاقتصادي، قد يغير حياتهم إلى الأحسن، ورحلت بأسرتها إلي مصر بحجة البحث عن أخيها، الذي لم تجده بل وجدت قبره بعد رحلة طويلة من البحث والعناء في بلبيس بالشرقية التي تبعد عن القاهرة شرقا بــ 85 كلم. في القاهرة طافت بديعة شوارعها وحاراتها وأزقتها بحب وشغف وكأنها تبحث عن ضالتها، إلى أن وصلت إلى حديقة الأزبكية وجلست فيها تفكر بما ستفعله مستقبلا، وفي الحديقة التي كانت منطقة مسارح، كانت الشابة بديعة تقوم بممارسة هوايتها في التزلج علي الباتيناج المفضلةفوق رصيف الحديقة، فانتبه إليها الفنان المسرحي فؤاد سليم الذي يعرفها من قبل، ففتح لها أبواب المجد على مصرعيه بعد أن رأى فيها مقومات الفنانة المسرحية الشاملة، ليلحقها فيما بعد بفرقة جورج أبيض الذي كان يمتلك مسرحا بجميع مستلزماته وعناصره المسرحية والذي تعاطف شخصيا معها لسببين، الأول كونها بنت بلاده الشام، والسبب الثاني موهبتها الخارقة. وتعلمت على يدي جورج أبيض أصول التمثيل وفنون المسرح، كما أتقنت اللهجة المصرية أيضا، في حين كانت والدتها ترفض دخول ابنتها مجال الفن، فقررت أخذ بديعة وعزمت العودة إلى الشام. وفي محطة القطار رمسيس بالقاهرة، هربت بديعة من أمها لتقرر المكوث في القاهرة، والتمسك بحلمها في مجال الفن والتمثيل والرقص، وعدم الالتفات إلى ماضيها. عملت بديعة أعمالا وانجازات فنية رائعة، وكرست حياتها للفن وحده، بعد ما أصبحت وحيدة في القاهرة مع جورج أبيض، إذ قدمت معه أدوارا محورية رائعة، وبدأت تشعر بالاستقلالية والحرية والقوة، لها دخلها الخاص المربح جدا، وبيتا استأجرته في وسط القاهرة وأيضا ملابس جميلة تحمل ماركات عالمية، الحلم لم يتوقف عند عتبة جورج أبيض، بل سرحت بديعة الشابة الجميلة في هيام الفن والمجد، لتنضم بعد ذلك إلى فرقة أحمد الشامي صاحب فرقة مسرحية تجوب محافظات ومراكز مصر يقدم من خلالها الاستعراضات الغنائية المبهرة والتي لمعت فيها بديعة ببريق النجم الساطع، لتصبح بطلة الفرقة ونجمتها الأولى أيضا.
بديعة في لبنان
العودة إلى الشام وتحديدا لبنان، بعد النجاح الكبير والانتشار الواسع الذي حققته بديعة في القاهرة، كان وراءه غاية، كانت بديعة تسعى إلى تحقيقها بل صارت بالنسبة لها، وكأنها هاجس، فأرادت فقط أن تقول من خلال هذه الزيارة الشامية، لمن تلفظ عليها بأي كلمة واحتقرها واستغل ضعفها وفقرها، أنها هنا قوية وغنية ومستقلة تماما وحرة صنعت مجدها بنفسها، وأصبح الجميع يتصارعون من أجل رضاها عنهم، ويتوددون لها لأجل الفوز بثقتها مجددا، وسطعت وتلألأت في سماء الفن في أرجاء الشام ولبنان، إلا أنها سرعان ما قررت العودة إلى القاهرة بعد تحقيق هدفها في لبنان.
الرجوع إلى مصر
وضعت بديعة أول خطوة لنجاحاتها المستمرة علي خشبة المسرح، لتؤدي أغاني خفيفة بين فصول العرض المسرحي وكانت تمتلك صوتاً قويا شجيا لامعاً وأداء موسيقياً أكاديميا سليماً، أقدمت أيضا علي تسجيل اسطوانات خاصة بها وقدمت أغان مثل الغيرة يا نار الغيرة والظلمة والقطن ورقصة بديعة وغني يا بلابل ومين اللي كابس طربوشه وغيرها، كذلك قدمت عديد الأغاني مع نجيب الريحاني التي تخللت أعمالهم المسرحية التي لحنها الموسيقار الكبير السيد درويش البحر.
وقد حدث لبديعة موقفا كان حديث كل الناس أنداك، وهو أنها أحبت من غير ديانتها وكان شاباً مسلما وسيما وغنياً من مدينة بني سويف، التقت به هناك عند سفر فرقتها للغناء في المنيا، وتطورت العلاقة بينهما، وعادت الفرقة إلى القاهرة ولم تعد بديعة معها، قلقت والدتها من ذلك كثيرا وذهبت للمدينة للبحث عنها وعندما عرفت قصتها عارضتها أولاً حتى وافقت دون أن تعلم أنه مسلم. وقبل الزواج بيومين صدمت الام بديانة الشاب وعارضت الزواج ولم توافق على إكماله، وتعرضت بديعة للضرب الشديد من والدتها ولكنها لم تستسلم وتزوجته وأكملت علاقتها، ما اشتعلت نيران حقد الأصدقاء على هذه العلاقة وبدئوا بافتعال المشاكل بينها وبين زوجها حتى انفصلت عنه وعادت إلى القاهرة منكسرة.
إنجازات بديعة الشخصية والفنية
زارت بديعة عدة بلدان في العالم إلى أن وصلت إلى قارة أمريكا كلها، قدمت العديد من العروض هناك، وفي محطة من محطات سفرياتها، تعرفت إلى الفنان نجيب الريحاني في بيروت، وعادا سويا إلى مصر ليقدما أنجح الأعمال الفنية وخاصة المسرحيات، نذكر على سبيل ذلك رواية ليالي الملاح، إذ لعبت فيها دور قوت القلوب، وقد لاقت رواجاً كبيراً أنداك، ثم قدمت أدوار البطولة في المسرحيات عديدة ومختلفة المواضيع، مع فرقة الريحاني، منها أيام العز ووريا وسكينة والشاطر حسن والفلوس ومجلس الأنس والبرنسيسة وغيرها من الاعمال الفنية الرائعة.
تزوجت بديعة من نجيب الريحاني سنة 1925م، واستمر هذا الزواج 18 عاماً. في تلك الفترة قدمت بديعة أدوارا كانت جديدة بالنسبة إليها في السينما المصرية، على غرار فيلم ابن الشعب الذي أنتج عام 1934 مع بشارة واكيم وميمي شكيب، وفيلم ملكة المسارح عام 1936 مع ألفريد حداد وفؤاد الجزايرلي، وفيلم الحل الأخير مع سراج منير عام 1937 الذي كانت لها فيه البطولة المطلقة، وفيلم ليالي القاهرة عام 1939 مع محمد فوزي، كذلك فيلم فتاة متمردة عام 1940 مع آسيا داغر وأنور وجدي، وعام 1946 فيلم أم السعد مع بشارة وكيم وماري كويني.
لم يكن الزواج ناجحا بالنسبة لهما، رغم اللاتفاهم والتمرد واللاحب والخناقات المستمرة والعراك الدائم،
استمر مدة 18 سنة لدواع شخصية وفنية محضة، وفي عام 1943م انفصلت بديعة عن نجيب الريحاني،
جراء طموحها الفني المفرط، وكانت في لقاءاتها تصف الريحاني بالكسل والخمول وتضييع الأعمال
المهمة وفشله في عمله وحياته الزوجية والعائلية والاجتماعية أيضا.
بعد طلاقها من الريحاني بفترة وجيزة، قررت بديعة مصابني عدم العودة للتمثيل، واشترت صالة عماد الدين، بخمسة آلاف جنيه مصري، ليصبح المبنى معروفاً بكازينو بديعة. كان يتكون من ثلاثة طوابق فيه أربعة أماكن للسهر والضيافة وحديقة للأمسيات الشعرية لأكبر الشعراء العرب والأجانب وكذلك للمجالس الأدبية والفكرية على سبيل ذلك تردد نجيب محفوظ المستمر هناك لتفعيل الندوات والمجالس الفكرية والثقافية والأدبية بحديقة الكازينو، كذلك يحتوي الكازينو أيضا على مطعم ومقهى كافيتيريا وكازينو بمسرح مكتمل النواحي، قدمت فيه عروض راقصة وغنائية بالصاجات، والعديد من الأغاني بخفة روحها وطبعها، إلى جانب أداء أغاني التخت العربي الشرقي، حتى كونت فرقة استعراضية تضم أكثر من 50 شاباً وشابة كان أشهر كازينو في مصر والوطن العربي، كما تعتبر رائدة في تطوير مفهوم الرقص الشرقي، فأدخلت عليه بعض الحركات الإسبانية والتركية والغربية.
لقبت بديعة بعميدة الرقص الشرقي، إذ تخرج من ناديها غالبية راقصات مصر والعالم أيضا، ومنهن تحية كاريوكا، وسامية جمال، وببا وشوشو عزالين ومجموعة من أشهر المطربات مثل فاطمة يسري ونجاة علي، وفتحية أحمد، وفريد الأطرش وأخته أسمهان، ومحمد فوزي وغيرهم.
حكايات كثيرة واتهامات عديدة في حق سيرة بديعة مصابني، بشأن سمعة الكازينو الذي حمل اسمها، بأنه كان مرتعاً للخارجين عن القانون والساقطات ومقر لرجال الحكم والتجسس، فيكفي ان نجوم الغناء والسينما في ذلك العهد تكونوا وتخرجوا بتفوق من اكاديمية بديعة مصابني أمثال فريد الأطرش ، سامية جمال ، تحية كاريوكا ، ببا عز الدين ، محمد فوزي ، اسماعيل ياسين وغيرهم .
تفرغت بديعة بعد ذلك لتقديم الأعمال الاستعراضية من عامي 1927- 1928 بكازينو عماد الدين ، وما يثار من ادعاءات حول كون الكازينو عماد الدين كان مرتعا للبنات الهاربات من اسرهن ولعربدة عساكر الاحتلال الانجليزي وحاشية قصر الملك فاروق الأول، كما يصفه أخرون ببؤرة لأعمال التجسس وغيرها من الادعاءات، ويكفي انها خصصت يوم الثلاثاء في الاسبوع لحضور السيدات فقط، وفيما يتعلق بالاستعراضات، قدمت بديعة مجموعة راقصات موهوبات ومبدعات، وهذا كان قبل ظهور فرق الرقص الشعبي المصرية، كفرقة محمود رضا وفريدة فهمي وغيرها.
و تعود بديعة إلي الريحاني ثانية، ولكن هذه المرة لتقوم الفرقة بجولة خارجية الي أمريكا بداية بالأرجنتين، ونجحوا في مهمتهم نجاحا مبهرا بل صاعقا،
لم تلبس بديعة طوال مشوارها الفني بدلة الرقص الخليعة والمتعارف عليها، فكانت ترفض التعري على خشبة المسرح، وتفضل ارتداء الفساتين السواريه أو السهرات والبدلات الشرقية والجلاليب لتظهر بشكل منفرد ومختلف على المسرح عن بقية وصيفاتها من الراقصات الجميلات، باعتبارها رئيسة الفرقة ومديرة الكازينو. لمع نجم بديعة حينذاك، ليصبح الكازينو أشهر كازينو في مصر بل وفي الوطن العربي كله، كما ذكرنا سابقا أنها كانت الرائدة والوحيدة التي طورت مفهوم الرقص الشرقي، ليكون مزيجاً لسنفونية منفردة في فنون الرقص، إلى جانب رقصة الشمعدان، التي لاقت رواجاً كبيراً أنداك. كانت بديعة دائمة البحث واكتشاف الجديد، تأثرت بالثقافات الشرقية وخاصة الغربية، إذ تسافر كل عام إلى أمريكا وآسيا لتتعرف إلى أنماط الفنون وكيفية ترجمتها على المسرح العربي وبشكل جديد في الكازينو، إلى جانب شراء ديكورات وملابس وأكسسوارات متنوعة لتضفي على الكازينو وفرقتها روح الإبهار خلال الاستعراضات.
كازينو بديعة كان يضم أشهر المطربين في ذلك الزمن، منهم فاطمة يسري ونجاة علي وفتحية أحمد وماري جبران. كما ضمت الفرقة العديد من الراقصات، على رأسهم الراقصة اللبنانية ببا عز الدين وأختها شوشو عز الدين، وحالما بدأت الفرقة إحياء ليالي كازينو بديعة، بدأ النجوم ينهمرون عليها مثل فريد الأطرش وأسمهان، كما انضمت زينات صدقي إلى فرقة بديعة، وقدم كل من المطربين محمد فوزي وإبراهيم حمودة ومطرب الموشحات أحمد عبد القادر أغانيهم وأعمالهم الفنية، إلى جانب فقرات المونولوج التي خصصت فقط لإسماعيل ياسين وثريا حلمي، فسطع نجمهم واشتهروا جميعا من خلال كازينو بديعة.
أسست بديعة مصابني شركة أفلام بديعة للإنتاج السينمائي سنة 1936م حيث قامت بإنتاج فيلم ملكة المسارح والذي قامت ببطولته هي بنفسها مع مجموعة من الفنانين، ولكنه فشل فشلا ذريعا، ولأن بديعة كانت قد اقترضت المال من البنك المصري، فقد حجزت الضرائب على ممتلكاتها، حينها أقفلت الشركة ولم تكمل بديعة مشوارها في الإنتاج السينمائي وبقيت فقط في الكازينو.
لكل بداية نهاية
اندلعت الحرب العالمية الثانية، تحول الكازينو إلى مقر ترفيه للجنود الإنجليز، الذين يخوضون حرباً ضد ألمانيا النازية داخل مصر عام 1939م، بعد أن وصل الكازينو إلى قمة المجد والنجاح من الرقص والغناء والاستعراضات، وجمعت منه بديعة ثروة طائلة، طالبتها مصلحة الضرائب بالديون وتسديد مبالغ تعجيزية، حاولت أن تتفاوض مع مصلحة الضرائب لتخفيف المبلغ، لكنها فشلت وكادت المصلحة تحجز عليها، ما جعل الكثير من الفنانين يهجرون الكازينو بلا رجعة.
انتهت الحرب، وحاولت بديعة العودة مرة أخرى لاستعادة كيان الكازينو ومجده، لكن معظم الفنانين الذين تبنتهم كانوا قد اتجهوا للعمل السينمائي، فخسر مسرحها الاستعراضي العديد من الفنانين، وبدأت الضرائب تطالبها بديون قديمة لم تسددها، كما بدأت تضيق عليها الخناق، وتهددها بالحجز والبيع، إلى أن باعت الكازينو للراقصة اللبنانية ببا عزالدين وزوجها أنطوان، والذين في الوقت نفسه يكون ابن أختها.
حينها قررت بديعة الهروب بكل ممتلكاتها إلى لبنان بمساعدة صديقها الإنجليزي على متن طائرة خاصة، ولم تعد بعدها بديعة مصابني للفن مجددا، بل قررت عمل مشروع فلاحي وتجاري للحليب ومشتقاته من ألبان وأجبان في مدينة شتورة اللبنانية، وبقيت تدير مشروعها مدة 24 عام، إلى أن وقعت في يوم من أيامها التالية، من درج بيتها، وأدخلت مستشفى تل شيحا في مدينة زحلة إلى أن توفيت في 23 يوليو عام 1974 عن عمر ناهز الـ 82 عام. تاركة وراءها إرثا ثقافيا وفنيا من الأفلام والمسرحيات والأغاني الخالدة.