القاهرة … برلنتي عبد العزيز
يكشف أحد أقارب الموسيقار محمود الشريف ولأول مرة أسرار علاقة حب محمود مع كوكب الشرق أم كلثوم أو فاطمة بنت الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي، ويسأل نفسه عما سر اهتمامها به.
اجتمع مجلس نقابة الموسيقيين للمرة الأولى بعد صدور القانون 123 لسنة 1944م. كانت أم كلثوم هي النقيب بالانتخاب، وكان الموسيقار محمود الشريف وكيلا، وفى هذا الاجتماع بدأت الخطوات الأولى في قصة حبهما التي فاجأت الجميع، وهزت الأوساط السياسية والفنية، وأدت إلى تدخل الملك فاروق شخصيا. يروى الشريف القصة كاملة في مذكراته المجهولة، التي كتبها الشاعر والكاتب محسن الخياط، ونشرتها مجلة الشاهد الصادرة من نيقوسيا قبرص في مارس 1998م.
كانت مذكرات الموسيقار محمود الشريف تحتوي على أول اعترافاته عن قصة حب ربطته بسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وأسرار سير العلاقة على الأشواك، أشواك السياسة والشهرة والمجتمع.
يسرد الشريف القصة بتفاصيلها الرومانسية. يتذكر أنه بعد انتهاء اجتماع مجلس النقابة جلس بالقرب من النافذة، فخطت أم كلثوم نحوها، وأطلت منها ثم جلست إلى جواره، وأخرجت علبة سجائر من ماركة لكى سترايك من حقيبتها، وأعطته سيجارة، ودار حديث بيمهما حول مصيف رأس البر الذى عادت منه قبل أيام.
اقترح عازف الكمان أحمد الحفناوي أن يعزمهم، شرط أن يقدم محمد القصبجي تقاسيم على العود، ووفقا للشريف. أن القصبجي قد فوجئ بالاقتراح وخيم عليه صمت كئيب، وغيرت أم كلثوم الاقتراح إلى دعوتهم إلى لبيتها، فحمل القصبجي عوده على مضض، لكنه فوجئ بأم كلثوم تضحك وهى تقول له: “سلامتك يا قصب. طب خليك أنت مادام تعبان”. لكنه انتزع نفسه من مقعده وهو يقول: “أمري لله آجي أسهر وياكم.”
وبدأت السهرة في منزل أم كلثوم، وعزف القصبجي أحلى مقطوعاته، وغنت أم كلثوم كما لم تغن من قبل. كانت ليلة شديدة المرح والجاذبية تلقى بالنكتة وتغنى وكأنها ابنة 16 ربيعا. امتدت السهرة حتى مطلع الفجر، فتوجه محمود الشريف إلى شرفتها المطلة على النيل يتنسم الهواء البارد. فشعر بيدها تربت على كتفه، التفت إليها، همست فى أذنهقائلة: ” أنت تتغدى معايا بكرة هنا فى البيت.”
سأل الشريف نفسه عما سر اهتمامها به. قد يكون لأنه المشاكس الدائم في مجلس النقابة، وهي تريد بكرمها وحسن استقبالها له أن تلوى ذراع هذا المشاكس وتطويه تحت إبطها. أو قد يكون لأنه أحد أصدقاء محمد عبد الوهاب في وقت كانت تتصارع فيه القمتان فظنت أنه من رجال الموسيقار الكبير الذين يروجون لفنه بمناسبة وبدون مناسبة.
مع تطور علاقته بها كشف لها شخصيته الحقيقية. أدركت أنه لا يدور في فلك أحد، ولا أييش على بقايا موائد عالم الموسيقى والتلحين. أدركت أشياء كثيرة، وأكثرها معاناته النفسية، طموحاته، استقلال شخصيته الفنية. استمعت إلى ألحانه في جلسات متكررة ورددتها معه بصوتها الملائكي. كانت تبهره كما بهرت جميع الفنانين والمستمعين، جمالها في جاذبيتها، في ذكائها، فى حضور بديهتها. كانت عالما قائما في حدّ ذاته، ملأت مشاعره بإحساسها المرهف وتواضعها وبساطتها. حيث من المعروف عن أم كلثوم بعدها عن جلسات الصالونات وسهرات الباشوات.
شعر بها تقترب منه كل يوم، وأصبح لقاؤهما شيئا ملموسا أدركه الكثير من أعضاء النقابة، لم يكن يمر يوما من دون أن يتم لقاؤهما، اعتادت قدماه على منزل أم كلثوم الفاخر، أحيانا كضيف على الغداء، وأحيانا اخري كضيف لسهرتها الوحيدة.
عرفت كل شيء عنه، كما تعرفت على أسرته أيضا. أمه، أخته، أخيه حسن، زوجته فاطمة، وكانت تعرف جيدا مأساة حياته معها، المتمثلة في مرض العضال.
أم كلثوم التي تعاقب على طلب يدها الوزراء والأمراء والصحفيون والأغنياء العرب. والذين قوبلوا بالرفض، وقبلت أن تمنح قلبها لفنان من وسطها من طبقتها يقدر فيها الإنسانة والفنانة معا.
يتذكر الشريف: “كشفت علاقتي بأم كلثوم حبا مكبوتا لها في قلوب الزملاء، لكنه من طرف واحد، وكان أخطره حب محمد القصبجي. الذي كانت تدركه بنفسها وتتجاهله، لكنه كان يطاردها في صمت. حكى لي الفنان أحمد الحفناوي، عازف الكمان الشهي، أن القصبجي كان يشكو له من أنه يتكلف يوميا خمسة جنيهات ثمنا لتاكسي لكى يتتبع باستمرار خط سيرنا أنا وهى. وكانت تعرف ذلك وتتقصد عندما تراه يتتبع مسيرتنا بسيارتها طولا وعرضا. حتى ترهقه. في ليلة رأس السنة الهجرية وضعت دبلة الخطوبة في يدها، ونقشت عليها لا إله إلا الله، وعلى دبلتها محمد رسول الله، ورنت أول زغرودة في منزل أم كلثوم. تكتمنا على الخب، إلا أنه تسرب إلى جريدة أخبار اليوم. لتقوم القيامة بعدها.