القاهرة … برلنتي عبد العزيز
تزوج رجل فقير بفتاة فقيرة وأنجبت منه ثلاثة أولاد، لم تجد منه إلا البغض والجفاء والضرب والإهانة، كان سيء الخلق بذيء اللسان لا يسمع ولا يكترث إلى أحد إطلاقًا.
كل يوم على هكذا حال، إلى أن جاء اليوم الذي قرر فيه الزوج ترك عائلته بدون شيء ليتزوج من أخرى لمالها، وهي تزوجت منه لقوته وشبابه.
مرت عشر سنوات لا يعلم أين أبناءه وزوجته، وقد خارت قواه وتملكه المرض وذهب شبابه، ولكن زوجته ما زالت تحتفظ بشبابها، فتغير الحال معه، لم يسمع كلمات كما سبق وظهر الملل على الزوجة، وطلبت منه الطلاق وتم طرده من بيتها، فضاق به الحال ولم يجد ما يأكله.
مرت الأيام وظهرت عليه علامات المتسولين متسخ الجسد رث الثياب، وكان مبيته تحت إحدى الجسور، وكان يظهر عليه الخوف من صوت الأقدام التي تقترب منه خوفاً من إيداعه إحدى المصحات أو السجون.
مرت الأيام والسنون وصار أهل الخير يشفقون عليه بوجبة غداء، وعرض عليه أحدهم المساعدة بأن يأخذه إلى إحدى المدن القريبة ليعمل عامل نظافة في إحدى المستشفيات داخل مرآب السيارات بها، واهتم به هذا الرجل وحممه واشترى له ثيابًا نظيفة.
وهكذا تغير الزوج وأصبح آدميًا نظيفاً نوعاً ما وفي إحدى الأيام دخلت سيارة فارهة، تقدم الرجل وفتح باب السيارة ويرحب به وإذا بسيدة تجلس بجانب صاحب السيارة وقد تعرفت عليه تماماً أنه زوجها الهارب وصاحب السيارة ما هو إلا أحد أبناءه.
نظرت إليه نظرة تعجب لسوء حالته ومدى تغير وجهه وعلامات المرض تجوب ملامحه، الابن ترك أمه في السيارة لدقائق وذهب. سألت الزوجة زوجها قائلة: هل تعلم من أنا؟
قال: نعم أعلم أنتِ زوجتي التي تركتكِ وأولادي دون شيء.
قالت له: وهذا ولدي صاحب المستشفى التي أنت تعمل بها كعامل تغسل السيارات. وها قد أكرمني ربي وتزوجت بعد طلاقي منك غيابياً برجل ثري جداً وقد تغيرت أحوالنا للأفضل ولولا قساوة قلبك وجفائك ما كان ولدي أصبح طبيباً كبيراً ولا باقي أبنائي في أعلى المناصب. كنتُ أتخيل أنه من سوء حظي زواجي بك لكن علمت أن الله ينصف المظلوم ويقدر كل خير لعباده وحتى إن كانت بدايته صعبة. فلولا تركتنا وهجرتنا لما تحسنت أحوالنا. سبحانك ربي ما أعظمك. فمن حكمته أنه يختار لنا الخير ونحن لا نعلم.