العزلة الاجتماعية من أخطر العوامل الرئيسية للوفاة المبكرة
كندا … جيسيكا عبد النور
لقدد أثبتت عديد الدراسات بوضوح تام، والتي قام بها الدكتور مارتن جونو (دكتوراه في الطب، طبيب القلب FRCP ومدير الوقاية، معهد مونتريال للقلب. أستاذ إكلينيكي، كلية الطب، جامعة مونتريال). أن بعض العوامل النفسية مثل التوتر، القلق، الاكتئاب وعدم وجود علاقات اجتماعية كافية لها تأثير سلبي على الصحة وتقلل بشكل كبير من متوسط العمر المتوقع. هذا الارتباط الوثيق بين علم النفس وعلم وظائف الأعضاء موثق جيدًا وبشكل خاص فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية، أظهر عدد كبير من الدراسات في الواقع أن الأشخاص الأكثر تفاعلًا اجتماعيًا يتمتعون عمومًا بصحة أفضل ولديهم مخاطر أقل للإصابة بالاكتئاب والتدهور الإدراكي والمعرفي. على العكس من ذلك، فإن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يزيدان من خطر الوفاة المبكرة، وهو تأثير يمكن مقارنته بعوامل الخطر الراسخة مثل السمنة وقلة النشاط البدني وحتى التدخين. على سبيل المثال، تشير البيانات التي تم الحصول عليها خلال الدراسات التي أجريت على ما مجموعه 3 ملايين شخصًا إلى أن أولئك الذين لديهم علاقات اجتماعية كافية معرضون لخطر الوفاة المبكرة بنسبة 50%، مقارنة بأولئك الذين كانت علاقاتهم الاجتماعية غير مرضية، وهو تأثير مماثل للإقلاع عن التدخين. تتوافق هذه النتائج مع البيانات التي حصلت عليها دراسة هارفارد لتنمية البالغين، والتي كانت تدرس العوامل المرتبطة بالشيخوخة الصحية منذ عام 1939م، من وجهة نظر جسدية ونفسية.
الاستنتاج الرئيسي لهذه الدراسة، التي استمرت لمدة تزيد عن 75 عامًا، بسيط للغاية، بحيث تتجسد في العلاقات الشخصية الجيدة، سواءً كانت العائلة أم الأصدقاء، هي التي تمثل أحد أهم العوامل التي تنبئ بالسعادة والصحة الجيدة للشخص طوال حياته.
العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة وجهان لعملة واحدة
تشير العزلة الاجتماعية إلى عدم وجود اتصال شخصي. إنها فاصلة موضوعية يمكن قياسها من خلال النظر فيما إذا كان الشخص يعيش بمفرده أم لا، حالته الاجتماعية، حجم شبكته الاجتماعية، ومشاركته في الأنشطة الجماعية أيضا. وتعتبر العزلة الاجتماعية مشكلة متكررة بشكل خاص في الأعمار المتقدمة عندما يساهم الحد من الموارد الاقتصادية أو الإعاقة أو حتى وفاة الأشخاص المقربين، في تقليل الاتصالات الاجتماعية.
تشير الدراسات إلى أن الأفراد المعزولين اجتماعيًا هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض المعدية كنزلات البرد مثلا، وضعف الوظيفة الإدراكية والمعرفية والوفاة المبكرة أيضا. هذه الزيادات في المخاطر هي نتيجة للتأثير السلبي الذي تمارسه العزلة الاجتماعية على عديد المعايير الفسيولوجية، مع زيادة ضغط الدم ومستويات الفيبرينوجين كزيادة خطر الإصابة بجلطة دموية، وكذلك تنشيط العمليات الالتهابية باستمرار.
كما يمكن اعتبار الوحدة النسخة النفسية للعزلة الاجتماعية، أي أن حجم الاتصال ليس فقط على المحك، ولكن قبل كل شيء عدم الرضا عن نوعية العلاقات الاجتماعية التي يحافظ عليها الشخص. لذلك قد يعاني الشخص من الشعور بالوحدة حتى عندما يكون محاطًا بالعديد من الأشخاص، وعلى العكس من ذلك، قد لا يشعر الشخص بالوحدة حتى لو كان يعيش في عزلة. تشير الدراسات إلى أن الشعور بالوحدة يرتبط باضطراب عديد العمليات الفسيولوجية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم والعمليات الالتهابية، فضلاً عن زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات المبكرة.
واحدة من المشاكل الصحية الرئيسية التي تنجم عن العزلة الاجتماعية والوحدة هي زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. تظهر الدراسات الوبائية أن الدعم الاجتماعي المنخفض يرتبط بزيادة مضاعفة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وهو مؤشر على ارتفاع ضغط الدم ومرض الشريان التاجي وفشل القلب.
المرضى الذين عانوا بالفعل من احتشاء عضلة القلب، تظهر الدراسات أن ضعف الدعم الاجتماعي والعاطفي يضاعف ثلاث مرات من مخاطر الأحداث القلبية الوعائية والوفيات، وتأثيرات مماثلة لتلك الخاصة بعوامل الخطر الراسخة الأخرى مثل فرط كوليسترول الدم أو داء السكري من النوع الثاني.
هناك سببان رئيسيان يفسران هذا التأثير الهائل للشبكة الاجتماعية على مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
أولاً … يمكن أن تكون العلاقات الاجتماعية بمثابة حاجز للضغط النفسي، الذي يخفف من الآثار السلبية المرتبطة بالأوقات الصعبة في الحياة كالمرض، الفجيعة، الطلاق وما إلى غير ذلك، كما يمكن لشبكة اجتماعية مناسبة أيضا أن تزود الأشخاص المتضررين من هذه المحن بالدعم الهيكلي والعاطفي الذي يسمح لهم بامتصاص الصدمة بشكل أفضل وبالتالي تقليل العواقب الفسيولوجية الضارة التي تنجم عن الإجهاد المزمن، لا سيما فيما يتعلق بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ثانيًا … الأفراد الذين لديهم شبكة اجتماعية متطورة يميلون إلى أن يكونوا أكثر نشاطًا بدنيًا ويتبنون عادات نمط حياة أفضل، مما يساعد على تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتحسين متوسط العمر المتوقع. من المرجح أيضًا أن يتلقى الأشخاص النشطون اجتماعيًا نصائح أفضل من أقاربهم في حالة حدوث مشاكل صحية والتشاور بسرعة بعد حدوث حالة شاذة، كألم في الصدر على سبيل المثال.
لا يمكن للأشخاص المعزولين الاعتماد على هذا الدعم بسبب عدم وجود أشخاص موثوق بهم من حولهم، مما يساهم في ارتفاع معدل الوفيات المبكرة، خاصة بين أولئك الذين يعانون من بعض عوامل الخطر القلبية الوعائية.
ومع ذلك، فإن تأثير الشبكة الاجتماعية ليس سيكولوجيًا فحسب. فقد ثبت الآن وبوضوح شديد أن الجسم ينظر إلى العزلة على أنها شكل من أشكال العدوان، وتؤدي إلى تنشيط الآليات الفسيولوجية المرتبطة بالاستجابة للضغط، كإفراز الكورتيزول والأدرينالين. على سبيل المثال، تُظهر الدراسات دائما مع الدكتور مارتن جونو، بأن العلاقات الاجتماعية السيئة ترتبط بزيادة مستويات الأدرينالين في البول، وارتفاع معدل ضربات القلب أثناء الراحة، والارتفاع المفرط في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب استجابة للإجهاد، يليه تعافي أبطأ.
كذلك الأفراد المعزولون اجتماعيًا هم أيضًا أكثر عرضة لخطر الإصابة بتقلبات أقل في معدل ضربات القلب كالفترة الفاصلة بين انقباضين، وتضخم البطين الأيسر، وهما عاملان من عوامل الخطر للوفيات القلبية الوعائية. بمرور الوقت، تنتهي كل تأثيرات الإجهاد المزمن هذه بإتلاف القلب والأوعية الدموية وتفسر الزيادة الملحوظة في أحداث القلب والأوعية الدموية التي لوحظت في الأشخاص المنعزلين اجتماعيًا.
قد تعزز العزلة الاجتماعية أيضًا تطور تصلب الشرايين، وهي العملية المسؤولة عن تكوين لويحات في جدار الأوعية الدموية. وهذا ما أكدته دراسات أجريت في الخمسينيات من القرن الماضي على الحيوانات في حديقة حيوان فيلادلفيا، حيث أكدت بأن عزل الطيور والثدييات كان مرتبطًا بزيادة قدرها 10 أضعاف في آفات تصلب الشرايين في هذه الحيوانات. في البشر، أظهرت دراسة أن بعض علامات الشبكة الاجتماعية المنخفضة كالترمل والعزوبة، كانت مرتبطة بدرجة متزايدة من تكلس الشرايين التاجية، وهي علامة على تصلب الشرايين. وقد لوحظ أيضًا أن الدعم الاجتماعي المنخفض، جنبًا إلى جنب مع الميول الغاضبة، يسرع بشدة من تطور لويحات تصلب الشرايين، مما قد يساهم في زيادة خطر الإصابة بأحداث القلب والأوعية الدموية التي لوحظت في الأشخاص الذين يظهرون سلوكًا عدائيًا.
عندما نتحدث عن الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، فإننا عادة ما نفكر في أهمية الإقلاع عن التدخين وتناول نظام غذائي غني بالنباتات وممارسة الرياضة بانتظام والحفاظ على وزن طبيعي للجسم. هذه التغييرات في نمط الحياة مهمة جدا، لكن الآثار الكارثية للعلاقات الاجتماعية غير الملائمة على خطر الإصابة بهذه الأمراض والوفاة منها تذكرنا بأنه لا ينبغي التغاضي عن أهمية العوامل النفسية والاجتماعية في أي استراتيجية تهدف إلى تقليل تأثيرها. خاصة وأن العديد من الاتجاهات الحالية مثل شيخوخة السكان ومعدلات الطلاق المرتفعة والعدد المتزايد للأشخاص الذين يعيشون بمفردهم، على سبيل ذلك في كيبيك، كانت أسرة واحدة من كل 3 أسرة مكونة من شخص واحد في عام 2011م. يمكن أن تسهم في تفاقم العزلة الاجتماعية والمشاعر من الوحدة.
يرى عديد المتقاعدين الجدد أن صحتهم تتدهور بسرعة بعد مغادرتهم مكان العمل. ومع ذلك، تظهر الدراسات أنه يمكن تقليل هذا الخطر بشكل كبير عن طريق استبدال فقدان علاقات العمل بعضوية مجموعات أخرى كرياضية، ثقافية، سياسية أو غيرها. يلجأ العديد من الأشخاص إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة Facebook، للحفاظ على شبكة من جهات الاتصال، وتشير دراسة حديثة إلى أن هذه الحياة الاجتماعية. الافتراضية. يمكنها أن توفر نفس الفوائد التي توفرها الحياة الاجتماعية الواقعية الحقيقية، من حيث الحد من مخاطر الوفاة.
ولكن مهما كان الشكل أو النوعية، فمن المؤكد أن الشبكة الاجتماعية الديناميكية والمتنوعة تمثل رصيدًا رئيسيًا لحياة طويلة وصحية ويجب أن تمثل عنصرًا أساسيًا لنمط حياة صحي سليم، علاوة على ذلك، في جميع مناطق العالم المعروفة بطول عمر سكانها كالمناطق الزرقاء، فإن إنشاء نسيج اجتماعي محكم هو جزء من سر العمر الطويل، تمامًا مثل اتباع نظام غذائي صحي ومنتظم.