قصة صاحب شرطة المأمون
دمشق … ميرنا خليل
ذات يوم، كان صاحب الشرطة مع المأمون، وجيئ بشخص مكبل، فقال له المأمون: خذ هذا إلى دارك وأحضره صباحا لأقطع رأسه.
فأمرت الشرطة بنقله إلى دار صاحب الشرطة، وأمضى بقية وقته مع المأمون ثم انصرف إلى داره لينام. وحين وصل إلى البيت، أكله الفضول ليعرف من يكون هذا الشخص.
فجاءه وقال: من تكون أيها الرجل؟
قال ارجل: أنا من الشام وأهلها خير.
فقال صاحة الشرطة: أتعرف فلان ابن فلان؟
فقال الرجل: ومن أين تعرفه؟
قال صاحب الشرطة: كانت ولا تزل لي معه قصة.
قال الرجل: لا أخبرك عنه إلا إذا قصصت لي قصتك معه.
فقال صاحب الشرطة: كنت صاحب شرطة في الشام وحصلت ثورة فقتل الوالي وتدليت من الدار وحين وصلت الأرض فريت والتجأت إلى دار شخص لا أعرفه فبقيت عنده أربعة شهور يقدم لي كل يوم طعاما شهيا وملابس نظيفة وأنا لا أعرفه ولا هو يعرفني. وذات يوم قلت له أريد أهلي في العراق، قال لي بأنَّ القافلة ستبحر بعد ثلاثة أيام. وبعد ثلاث أيام جاءني وقال لي بأن أجهز نفسي للرحيل لأنَّ القافلة على أهبة السفر.
وبدأت أفكر كيف لي بالسفر وأنا لا أحمل مالا ولا نقيرا و بينما أنا أفكر جاءني و هو يحمل حزامًا و فيه سيف مدلى، وقال لي بأنَّ هذا الهميان فيه خمسمائة دينار هي مصرفي للطريق، وأنَّ هذا الحسام سلاح لي وهذه الفرس لأركبها و هذا الخادم لخدمتي وهذا البغل محمل من نفائس الشام هدية منه لأهلي.
وتلك والله منة وأنا أتعقب أثره لعلي أثيب بعض هذه المنة.
فقال الرجل: أنا هو!
فتمحص صاحب الشرطة وجهه فإذا هو بصاحبه فأرسل إلى حداد كسر قيده وأدخله الحمام فاغتسل وألبسه ملابس نظيفة وقال له هذه ألف دينار وهذه فرسي خذها واذهب ودعني أصارع المأمون.
قال الرجل: والله لن أفعلها!
فقال صاحب الشرطة: لماذا؟
قال الرجل: ذنبي عند المأمون عظيم وهو قاتلي لا محالة فإن ذهبت قتلك مكاني فلا أبرح!
وألح عليه صاحب الشرطة فلم يفعل. ثم قال له: إذا تبقى هنا وأنا أذهب إلى المأمون ألتمسها فإن أجابني فبها وإلا أرسلت أليك ليقطع رأسك.
قال الرجل: هذه قبلت بها
وذهب إلى البزاز فاشترى منه كفنا وأبقى الكفن معه إلى الصباح. وفي الصباح صلى الصبح وجاءه رسول المأمون يطلب الرجل، فأخذ الكفن وذهب.
لما جاء إلى المأمون وجده يتمشى في حديقة الدار.
ثم قال: أين الرجل؟
فقال له صاحب الشرطة: اسمع مني يا أمير المؤمنين.
قال المأمون: علي عهد الله إن قلت فر لقطعت رأسك مكانه.
قل له صاحب الشرطة: اسمع مني يا أمير المؤمنين ولك أن تفعل بعدها ما تشاء.
قال المأمون: قل!
فقص قصته من أولها إلى آخرها. ولما سمع المأمون القصة بكى !
قال المأمون وهو حزين: والله لا أعلم أيكما أكرم. أهو الذي آواك وكرمك دون معرفة؟ أم أنت الذي أردت أن تفتديه بروحك بعد المعرفة؟ وأنا لا أريد أن أكون ألأَمَكُمَا فقد عفوت عن الرجل أحضره. والآن طمعت فيه
فقال صاحب الشرطة: يا أمير المؤمنين ذلك لا يكفي.
قال المامون: بل …
قال صاحب الشرطة: صِله.
فقال: وَصلناه بخمسين ألف دينار.
قال صاحب الشرطة: ذلك لا يكفي.
قال: لم ؟!
قال صاحب الشرطة: لأن ذنب الشخص كبير وهدايا الملوك على قدر ذنب الرعية فأجزل له العطاء.
قال: وصلناه بمئة ألف وولاية الشام وعفونا عنه أحضره.
فلما حضر الرجل قبل العفو وصفح عن المال والولاية.
قال الرجل: المال عندي ما يكفيني منه والولاية يكفيني ما صرت إليه !..

