القهوة رمز الكرم وتوطيد العلاقات والصفقات
دمشق … ميرنا خليل
قصة القهوة
أصلها وموطنها الأول
البقاء على قيد الحياة في عصرنا الصعب هذا، يتطلب جهدا عقليا وجسديا شاقا، وكثيرات منا عادة ما تكون محرومة من النوم وقلة الطاقة، وفنجان من القهوة هو ما يخلينا نقاوم هذه الصعاب ونستمر أيضا في عراكنا مع الصدف السيئة، لدرجة أننا أصبحنا مدمنات عليها، كونها تشعرنا بالفرح والسعادة، لدرجة باتت نوعا ما العلاج الناجع في شفاء كثير من الحالات النفسية كالقلق والتوتر والإحباط وعدم التركيز أيضا.
للقهوة حكايات كثيرة وشيقة توارثها السابقون، إحداها أنه كان في أحد الأيام راع اسمه كالدي، وكالعادة كان يرعى غنمه ويراقبها، في إحدى المناطق الإثيوبية أثناء الظهيرة وتحت أشعة الشمس الصيفية الحارقة، حتى هربت الأغنام من الحرارة غير الطبيعية متجهة نحو مكان به ظلال بجانب أحد الأشجار، فأكلت الأغنام من أوراقها وثمارها، حينها بدت علامات التعجب والاستغراب على وجه الراعي كالدي، فلاحظ الراعي أن أغنامه أكثر نشاطا وقوة وحيوية بعد أكلها من أوراق وثمار هذه الأشجار المجهولة، كما أن الأغنام بدت تتحرك بخفة وكلها حيوية، لدرجة أن الراعي كالدي كلما ذهب ليطمئن عليها ليلا وجدها مستيقظة وهكذا حتى الصباح، فأخذ الراعي قليلا من أوراق هذه الأشجار وقام بغليها ليحدث معه كما حدث تماما لأغنامه، لم يحتمل ذلك وذهب إلى رئيس الدير المحلي في البلدة والذي كرر ما قام به الراعي فحصل على التأثير نفسه.
شجرة القهوة أو البن لها أوراق خضراء داكنة اللون، تنمو حبوب البن على طول أغصان الشجرة، وتستغرق عاما كاملا كي تنضج، طول الشجرة يصل أحيانا إلى 10 أمتار، وتنتمي أشجار القهوة إلى نباتات الكوفا، ويضم أكثر من خمسمائة فصيلة وستمائة نوع من الأشجار الاستوائية، وتؤكد التقديرات علو وجود ما بين 25 إلى 100 نوع من نباتات القهوة.
المسافات الطويلة والتجارة بين الدول لم تمنع من وصول حبوب البن إلى اليمن من اثيوبيا، لتبدأ اليمن بزراعة القهوة والعمل على معالجتها وتطوريها، ومن هنا انطلقت رحلة انتشارها عالميا، لتصبح القهوة معروفة في بلاد فارس وتركيا وسوريا ومصر وشبه الجزيرة العربية بحلول القرن السادس عشر ميلادي، وعبر آلاف الحجاج الذين كانوا يزورون الأماكن المقدسة في شبه الجزيرة العربية انتقلت القهوة إلى بعض دول العالم، لتعم المعمورة كلها.
العرب أرادوا في بادئ الأمر الانفراد بزراعة القهوة والاحتفاظ بها، كنوع من تقاليدهم، ورفضوا منح التجار الأجانب حبوب البن الطازجة حتى لا يتم زراعتها في بلدانهم، بل كانوا يبيعونها محمصة أو مجففة، إلى أن وضع الصوفي بابا يودان الهندي على خصره حزاما سريا من بذور البن ذاهبا بها إلى بلاده، لتكون تلك أول عملية تهريب القهوة من منطقة الشرق الأوسط إلى بلدان خارجه في عام 1670م.
أما وصولها إلى أوروبا فكان عبر الرحالة المستكشفين الذين زاروا المشرق، ومن خلال التجارة أيضا، خاصة بين مصر وإيطاليا، ومن هنا بدأ العشق الأوربي للقهوة لتصبح مشروبا شعبيا في أوروبا كلها، لذلك فليس من العجيب أن نجد في منتصف القرن السابع عشر أكثر من أربع مائة مقهى في لندن.
وفي أمريكا الجنوبية، لم تعرف القهوة حتى حلول عام 1727 م، فانتهزت دول اللاتينية خاصة البرازيل فرص زراعة القهوة، إذ خصصت مساحات هائلة من غاباتها بعد قطعها في عام 1882م، وبات البن تجارة مربحة وسلعة رائجة في جميع أنحاء العالم، بعد الطاقة.
القهوة ليست مجرد شرابا نتناوله فقط، بل صديقة لنا، لأنها حياة وحكايات وأحاديث وقصص نعيشها سوية، بأدق تفاصيلها مع كل فنجان منها. القهوة ترافقنا بكل تفاصيلنا، أيام الفرح وليالي الحزن، بتنا تفهمها وأصبحت تفهمنا، لها أنواع كثيرة، وكلها ذات مذاق رائع ولذيذ. إذ يستهلك العالم أكثر من 2.50 مليار فنجان من القهوة يوميا، ولا عجب في ذلك، لأنهم يدركون مدى أهمية والفوائد التي تدر على صحتهم، نتيجة شربهم للقهوة، لما تحتويه هذه النبتة من مكونات وعناصر وجزيئات مهمة، على سبيل ذلك نجد البروتينات والأحماض الأمينية، والكربوهيدرات والدهون والأملاح المعدنية كالماغنسيوم والبوتاسيوم وغيرها. بشرط أن يكون شرب القهوة بمقادير معقولة ومنتظمة.
فوائد القهوة عامة
ــ تقلل من الإصابة بالسكري … عديد الأبحاث والدراسات تتفق وتؤكد على أن عناصر القهوة ومكوناتها تقلل من خطر الإصابة بمرض السكري، إذ أنها تقوم بتحسين أداء الأنسولين في الجسم ليعمل بانتظام، خاصة مرضى النوع الثاني، ومن المستحسن شرب فنجانين من القهوة بشكل سليم ومنتظم.
ــ تكافح بعض أنواع السرطان … باحثون إيطاليون يؤكدون على أن شرب فنجانين من القهوة على الأقل وبشكل يومي يكافح من إمكانية الإصابة بسرطان الكبد. كما تساعد أيضا على تخفيض نسبة تكرار الإصابة بالسرطان والحياة مدة أطول للمصابين في المرحلة الثالثة من سرطان القولون، بحسب دراسة صادرة عن معهد دانا للسرطان (Dana -Farber Cancer).
ــ تفيد للقلب وتحميه … مدرسة هارفارد للصحة العامة توصي وتؤكد على تناول القهوة باعتدال، لحماية القلب، وأن شرب ثلاثة إلى خمسة فناجين من القهوة يوميا يقلل من خطر انسداد الشرايين والنوبات القلبية.
ــ تكافح الزهايمر وتنبه الجهاز العصبي … تقاوم الزهايمر وتخفض نسبة الإصابة بسرطان الفم والجلد ومشاكل اللثة.
أسماء أشهرمشاريب القهوة وأنواعها
تصلنا القهوة جاهزة، بعد مرورها بعدة مراجل هامة من تجفيف وتحميص وهذا لمعالجتها، إذ أن هذه العمليات تعطي لحبات البن رونقا ورائحة ومواصفات مميزة. هناك أنواع عديدة ومختلفة من شراب القهوة، وجميعها رائعة، ولكل منها طريقة خاصة في صنعها وسحر جذاب ورائحة شهية، أهمها ما يأتي:
ــ القهوة العربية … ما يميز القهوة العربية أو أرابيكا، هي الإضافات التي تعطيها طعما ورائحة مميزين، نذكر على سبيل ذلك حبات الهيل أو الزعتر البري، وهي إما أن تكون القهوة صفراء ذات لون فاتح يميل أكثر إلى الأخضر الفستقي، أو ذات لون بني غامق يميل إلى السواد نوعا ما، وهنا يكون طعمها مرّا، وتقدم القهوة العربية في فناجين صغيرة فمها أوسع من قاعدتها ومن دون يد، كما يستخدم عرب شمال أفريقيا الفناجين الصغيرة العادية المتعارف عليها.
ــ القهوة الإيطالية … وتسمى نسبة للإيطاليين بالاسبريسو (Espresso)، قوامها خفيف وغامق جداً، تصنع بواسطة آلة لتسخين القهوة المطحونة بالبخار وتقدم غالبا مرة بلا سكر. تحظى قهوة الإسبريسو هذه بشعبية أكبر ، انطلاقا من إيطاليا إلى أروبا ثم أمريكا وأستراليا، حيث يتم مزجها من مختلف حبوب البن المحمصة لتشكل في الأخير طعما متمردا ولكنه مميز، إذ ويتم تحضير الإسبريسو بمزج كمية صغيرة من الماء المغلي بقوة الضغط عبر حبوب القهوة المطحونة جيدا. وتتكون الإسبريسو من أجزاء ثلاث رئيسية القلب وهو الجزء المظلم للغاية في أسفل المشروب، والجسم وهو المركز البني الفاتح حيث يبدأ الجزء الأكثر قتامة والطبقة العليا من الكريمة بالخلط معا والكريمة وهي الطبقة العليا الزبادية.
ــ الكابتشينو … إيطالية أيضا، واسم كابتشينو يأتي من عادات الرهبان الكبوشيين كناية لرؤوسهم البيضاء المحاطة بحلقة من الشعر البني، وتتكون من ثلث الاسبريسو وثلث من الحليب وثلث من الحليب المبخر المخفوق بطبيعة الحال، ليعطينا في الأخير شرابا لذيذا وكأنه كريمة طازجة، كما يمكن شربه بلا سكر كذلك مع السكر يكون ألذ. مشروب إيطالي عالمي شهير، يتم إعداد الكابتشينو بآلة الإسبريسو، وغالبا ما يتم تغليفها برغوة الحليب المخملية، وتنتهي برش مسحوق الشوكولاتة أو الكاكاو في يعض الأحيان، كل وذوقه الخاص، وأثناء تحضير الكابتشينو، يعتبر قوام الحليب ودرجة حرارته من الأهمية القصوى، والحليب على البخار تماما لتشكيل فقاعات الهواء الصغيرة بداخله، وخلق رغوة صغيرة، وهذا يعطي حلاوة وملمس مخملي ناعم ولطيف للمشروب ككل.
ــ القهوة الأمريكية … وهي على الأرجح الأكثر لذة وطعما وفائدة من كل الأنواع التي ذكرناها سابق، تصنع غالباً من حبات البن الكولومبية، وتقدم بعد تصفيتها بآلة مخصصة لذلك وبلا سكر. لدرجة أن الرئيس الأمريكي السابق روزفلت (Roosevelt) كان يستهلك يوميا لترين من القهوة يوميا، لتعديل مزاجه وتفكيره السديد. يكون إجمالا قوامها ثقيل ذات لون بني غامق يميل إلى السواد، أغلب الأتراك يستعملون البن البرازيلي ويطحن ناعما جداً على هيئة بودرة.
ــ القهوة التركية … هذه القهوة تحضيرها سهل جدا، إذ نحتاج هنا إلى بن مطحون بطريقة ناعمة، وكل ما نحتاجه بعد ذلك، هو فقط غلي الماء، ثم نضيف له السكر حسب الذوق. عندما يبدأ الماء في الغليان، تضاف إليه القهوة وتغلي. بعد ها نرفع الجزوة النحاسية أو الفخارية من النار، نزيل الرغوة المتراكمة، ونحركها برفق، ثم نضعها مجددا على النار، هذا سوف يجلب لك طعم جديد وقهوة ثقيلة ذات قوام سميك مع حلاوة سكرها طبيعية. هذا النوع من القهوة كانت رائجة بشكل هيستيري إبان الحرب العالمية الثانية، ومع مرور الوقت، والتفنن في أصول الطبخ، ظهرت أنواع أخري من هذا المشروب الذي لا يزل يتطور ويكتشف مع تقدم الزمن.
ــ القهوة الأيرلندية … وهنا يكون قوامها ثقيل وغامق جدا جدا. تضاف لها الكريمة المخفوقة وبعض الكحوليات، وتكون على الأرجح حلوة المذاق.
ــ كافي لاتي … منبعه إيطالي أيضا، ولكنه من أكثر مشروبات القهوة شعبية في أمريكا ويتميز بمذاقه الحلو، ويعني القهوة مع الحليب والسكر، كافي لاتي أساسي عبارة عن الإسبريسو والحليب على البخار بإضافة السكر البني، ويتكون من ثلث إسبرسو وثلثي حليب مسخن وحوالي 1 سم من الرغوة مع السكر.
لاتي ماكياتو … وهو إيطالي المصدر، مخصص للذين ينزعجون من القهوة الداكنة صعبة مذاق، وعليه تم ابتكار مشروب وسط للقهوة، يتم فيه إضافة قليل من الحليب المغلي إلى كمية من الإسبريسو، حسب ذوق كل شخص. ويشرب مع الظهيرة فقط لإضافة المزيد من النكهة والقوة إلى يومهم، يتم تحضير هكذا مشروب، باستخدام حليب كامل الدسم للحصول على نتيجة مرضية، من درجة حرارة عالية ورغوة قشديه مثالية. ليضاف إليها بعد ذلك الإسبريسو، لنحصل في الأخير على ثلاث طبقات، القاعدة من الحليب، والوسطى من الإسبريسو، والطبقة العلوية عبارة عن الرغوة، كما يمكننا أن نرش فوقها الشوكولاتة أو القرفة،
ــ فرابي …وهو مشروب مثلج منعش، مخلوط ومخفوق جيدا يكون قوامه متجانسا، ذو رغوة لذيذة، وهو من أنواع مشروب القهوة المختلفة، إذ جاءت تسميته على هذا الوصف بسبب تقديمه باردا، يكون مع الكريمة المخفوقة أو الآيس كريم وغيرها من الإضافات الباردة المثلجة، وأصبحت هذه القهوة الباردة المثلجة عنصرا أساسيا من ركائز الثقافة اليونانية في الهواء الطلق. يتم إعداد ه في الخلاط ، ويتكون أساسا من القهوة الفورية والسكر ومكعبات الثلج والحليب، ليتم مزجهما وخلطهما سوية في الخلاط، ليعطينا في النهاية مشروبا رغويا باردا مثلجا لذيذا ومنعشا.
ــ فلات وايت … مشروب مصدره الأصلي أستراليا، وظهر في بداية الثمانينات من القرن الماضي، يحضر بسكب الثلث من رغوة الإسبيرسو، على ثلثي مزيج الحليب ورغوة مخملية ناعمة بالتساوي، وتمنح لنا عند تناولها إحساسا جميلا يشعرنا بالفرح والسعادة، يختلف فلات وايت تماما عن الكابتشينو، رغم تشابه طريقة تحضيرهما.
ــ لونج بلاك … ويعتبر من المشاريب الشعبية في أستراليا ونيوزيلندا، هو فئة من القهوة السوداء، يحضر بسكب الإسبريسو على الماء المغلي، للحفظ على قشدة القهوة لمدو أطول، وقوامها يكون أقل كثافة وبالتالي تطغى النكهة بقوة أكثر، طعم هذا مشروب يميل نوعا ما إلى طعم الإسبرسو أو الفلات وايت، ولا وهنا لا مكانة للحليب إطلاقا، ما يسمح بتألق القهوة وتفردا دون حجب نكهتها التي تميزها.
ــ الموكا … أو الموكاتشينووهينوع من أنواع حبوب البن، ولكن بنكهة الشوكولاتة الطبيعية، وحبوب البن هذه تنشأ في منطقة موكا باليمن، ويعتمد المشروب أساسا على قهوة إسبريسو وحليب ساخن مع شوكولاتة مضافة، وعادة في شكل مسحوق الكاكاو الحلو أو شراب الشوكولاتة، الموكا يكون طعمه أقوى بكثير من الكابتشينو والمشاريب الأخرى الممزوجة، علما أن الموكا يمكن أن تحتوي على الشوكولاتة الداكنة أو الحليب، وقد يعلو شراب الموكا زبد الحليب أو الكريمة المخفوقة، كمل يستحسن رش مسحوق القرفة أو الكاكاو، لكون الأقوى والألذ من سابقاتها.
ــ رستريتو … كلمة تعني المقيدة أو المحدودة باللغة الإيطالية، ويعتبر المشروب النقي لأصحاب القهوة، والرستريتو عبارة عن قهوة قوامها يكون قوي جدا، هذه القهوة بالذات مصنوعة من حبوب الإسبريسو، تقدم دائما مع كوب من الماء، لتخفيف حدتها ا، إذ تكون أقل مرارة من مشروب الإسبريسو، مع تقييد بطبيعة الحال شكل الإسبريسو، وأثناء إعداد رستريتو، يتعلق الأمر بسكب الحبوب وتحميصها وطحنها،
ــ أفوجاتو … وهي أيضا الكلمة الإيطالية وتعني يغرق، وهي حلوى تبنى على القهوة، مصنوعة من الجيلاتي أو الآيس كريم غارقة حرفيا في قهوة الإسبريسو، ويقدم الأفوجاتو في إيطاليا عادة بعد الغداء أو العشاء، ويفضل إعداده مع قهوة جيدة بل عالية الجودة، والتي تمزج جيدا مع المذاق اللبني للآيس كريم، وينصح بعدم استخدام القهوة الفورية أثناء تحضير قهوة أفوجاتو، وصب القهوة الساخنة على الآيس كريم الفانيليا عندما تكون جاهزة للتقديم، ويجب الضغط على الأيس كريم لأسفل بقوة في الزجاج حتى يكتسب الأيس كريم طعم القهوة، ويبقى محافظا على الطعم لمدة أطول.
