شهرزاد السينما العربية الفنانة القديرة زوزو نبيل، رَوَت في حوار لها في إحدى القنوات الفضائية المصرية مع الإعلامي مفيد فوزي، عن سبب تزوير شهادة ميلادها جراء موقف طريف حدث لها ذات مرة مع أسرتها المحافظة جدًا. وذلك، حينما عاد والدها من عمله مبكرًا ورآها وهي تلعب مع الذكور بالشارع، حيث تفاجأ بانته وهي ترفع قدمها إلى أعلى لكي تسدد هدفّا، ونظرًا لملابسها القصيرة فقد تكشف جزء كبير من ساقيها، وهو ما لم يحتمله الأب، ولكنه وقف صامتًا يتابع المباراة حتى النهاية. ما الذي فعله الأب المحافظ حينها وكيف تغيرت حياة زوز نبيل من فتاة بسيطة إلى شهرزاد السينما العربية؟
القاهرة … بِقَلَم سميرة عبد الله

عاد والد زوزو إلى المنزل، وانتظر رجوعها إلى البيت بفارغ الصبر، وبمجرد أن أغلقت الباب طلب منها الاقتراب منه، ليصفعها بصفعات متوالية وهي واقفة كالتمثال لا تملك سوى الصمت والاندهاش ودرف الدموع. وبعد فترة صمت ثقيلة طويلة، أمرها باعتزال اللعب نهائيًا وقال لها: “ديه آخر مرة تلعبي كرة شراب في الشارع، فهماني ولا لأ؟”، فتركز نشاطها بعد ذلك على رفع الأثقال في نادي حي عابدين، حتى نهتها والدتها عن ذلك أيضًا، ولكن لم تكن تدري ما يُدبر لها في ذلك الوقت.
أسرة زوزو قررت التعجيل بزواجها من جارهم الضابط سامي عاشور، الذي جاءت والدته لخطبتها له مرارًا وتكرارًا وسط رفض الأسرة المستمر، ولكنهم تراجهوا عن الرفض واستخرجوا لها شهادة ميلاد مزوّرة بأكبر من سنها بثلاث سنوات، وتزوجت وعاشت في بيت يُطل على سجن طرة.
وقد تُوفيّ زوج زوزو بعد فترة قصيرة، وبعد أن أنجبا ابنهما الوحيد، الضابط بالجيش المصري نبيل سامي عاشور والذي استُشهد خلال حرب أكتوبر 1973م.
ولدت زوزو نبيل أو عزيزة إمام حسين في 06 جويلية سنة 1918م في منطقة المنوفية بمصر. ولإحساسها بأنها بنت غير عادية تملك الموهبة، أرادت زوزو نبيل بعد موت زوجها سامي عاشور أن تصبح ممثلة، فعارضتها والدتها بشدّة ومنعتها من التمثيل. ولم توافق والدة زوزو نبيل على أن تكون ابنتها ممثلة إلا بعد بكاء وتوسّلات عديدة. وبعد أن أقسمت زوزو بأن تصبح مثال للشرف والاستقامة وهو قسم حافظت زوزو عليه حتى آخر أيام حياتها.
وبدأت رحلتها مع الفن بعد أن التحقت بفرقة مختار عثمان واستمرت معها ثم انتقلت إلى فرقة يوسف وهبي. أول أفلامها السينمائية كان فيلم الدكتور في عام 1937م، كما أنها اشتهرت بتقديم دور الأم المنحرفة أو الزوجة القاسية أو العجوز الشرية. كانت إحدى بدايتها السينمائية في دور صديقة أم كلثوم وذلك في فيلم “سلامة” كما كررت نفس التجربة ولكن هذه المرة مع شادية في فيلم لحن الوفاء وآخر أفلام الفنانة الكبيرة كان فيلم المرأة والساطور. حيث توفيت الفنانة زوزو نبيل قبل افتتاح الفيلم ببضع أيام قليلة فقط.
بجانب الفن شغلت العديد من المناصب، ففي الخمسينات عملت كرقيبة لمدة ثلاث سنوات في رقابة المصنفات الفنية بمصلحة الفنون. كما تولّت إدارة المسرح الشعبي بوزارة الثقافة عام 1959م، لتعمل بعد ذلك بمؤسسة المسرح بين عام 1962م إلى عام م1964، كذلك قامت بالتدريس مادتي الإلقاء الثقافة الجماهيرية بمعهد السينما مع الفنان عبد الوارث عسر، إلى أن وصلت لدرجه وكيل وزارة.
عادت زوزو نبيل إلى السينما في العام 1989م، في فيلم المرشد مع الممثل محمود الجندي بعد انقطاع عن السينما لعقد من الزمان وقد قوبلت هذه الخطوة بارتياح وترحيب كبيرين من الجمهور أولا ومن الوسط السينمائي بشكل خاص.
نجحت في تقديم الأدوار المركبة والصعبة جعل مخرجين جيلها يضعونها على رأس قائمة اختياراتهم. كما كان يفعل المخرج الكبير حسن الإمام الذي منحها 12 فيلمًا سينمائيًا من أفلامه المهمة، فكان أولها فيلم “أسرار الناس” “مصنع الزوجات”، “حب حتي العبادة”، “اعترافات زوجة”، “الخرساء”. الملفت للنظر هنا، أنها قامت بمعظم أدوارها وأهمها أمام الراحل محمود المليجي.
آخر أفلامها الفيلم الكوميدي “رجلٌ مهمٌ جداُ” مع فاروق الفيشاوي ومعالي زايد، وذلك في عام 1996م. حيث توفيت قبل عرض الفيلم بحوالي خمسة أشهر تقريباً.
تزوجت زوزو نبيل مرتين، الزواج الأول من السيد سامي عاشور وهي في سن صغيرة جدًا. توفي سامي عاشور بعد فترة قصيره من زواجه منها تاركا ابنه الوحيد نبيل الذي التحق فيما بعد كضابط بالجيش المصري. والذي استشهد في حرب أكتوبر 1973م. ولها منه ثلاثة أحفاد.
أما زوج زوزو نبيل الثاني فقد شغل منصب وكيل وزارة، وبعد الزواج انتقل للعيش مع زوجته الأولى وأولاده إلى بيت الفنانة الكبيرة وزوجت زوزو ابنها الوحيد إلى ابنة زوجها من زوجته الأولى. وتوفي الزوج الثاني في العام 1980م.
زوزو نبيل كانت دومًا تخفي حقيقة عمرها في بداية مسيرتها الفنية وعندما سألها أحد الصحفيين عن سنها في العام 1954م، أجابت أنها لو حلفت على المصحف عن سنها لن يصدقّها أحد.
حصلت على عديد الجوائز. منها: جائزة التمثيل عن فيلم “أنا حرة” مع حسين رياض ولبنى عبد العزيز قصة وسيناريو وحوار الكاتب الصحفي إحسان عبد القدوس، كما كرمت من طرف لجنة مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي العام 1995م. كذلك، من طرف القائمين على مهرجان الأفلام الروائية.
تم تكريم الفنانة زوزو نبيل من قبل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للعام 1996م، ولكنها لم تستطع الحضور وذلك لمرضها في آخر أيامها وتسلمت الجائزة بدلا عنها زوجه ابنها. وبعد أيامٍ معدودات، وتحديدًا في يوم 3 ماي سنة 1996م، توفيت شهرزاد السينما العربية إثر التهابٍ رئويٍ حاد وعجز في القلب. وذلك قبل عرض فيلميها الأخيرين “رجل مهم جداً” و”المرأة والساطور” بحوالي أشهر قليلة.